أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مَرْيَم: {قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسياً منسياً} (مَرْيَم: ٣٢) . وَفسّر ابْن عَبَّاس قَوْله: نسياً، بقوله: لم أكن شَيْئا، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، فِي قَوْله: (نسياً منسياً) ، أَي: لم أخلق وَلم أك شَيْئا. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) أَي: غير ابْن عَبَّاس: النسي، الحقير، وَهُوَ قَول السّديّ، وَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر عَن عَاصِم: نسياً، بِكَسْر النُّون، وَقَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص عَن عَاصِم بِفَتْح النُّون وهما لُغَتَانِ، وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: الْكسر أَعلَى اللغتين، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي من كسر النُّون، قَالَ النسي اسْم لما ينسى بِمَنْزِلَة الْبَعْض، اسْم لما يبعض، والنسي، بِالْفَتْح إسم لما ينسى أَيْضا على أَنه مصدر نَاب عَن الإسم، وَقيل: نسياً، لم أذكر فِيمَا بَقِي.
وَقَالَ أَبُو وائِلٍ عَلِمَتْ مَرْيَمَ أنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قالَتْ إنْ كُنْتَ تَقِيَّاً
أَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَذكر هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مَرْيَم: {قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيَّاً} (مَرْيَم: ٨١) . وَإِنَّمَا قَالَت مَرْيَم هَذَا حِين رَأَتْ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَعْنِي: إِن كنت تقياً فانته عني. وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَ فِي زمانها رجل، يُقَال لَهُ: تَقِيّ، وَكَانَ فَاجِرًا، فظنته أَيَّاهُ، وَقيل: كَانَ تَقِيّ رجلا من أمثل النَّاس فِي ذَلِك الزَّمَان، فَقَالَت: إِن كنت فِي الصّلاح مثل التقي، فَإِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك، كَيفَ يكون رجل أَجْنَبِي وَامْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي حجاب وَاحِد؟ قَوْله: (ذُو نهية) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الْهَاء أَي: ذُو عقل وانتهاء عَن فعل الْقَبِيح.
قَالَ وكِيعُ عنْ إسرَائِيلَ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ سَرِيَّاً نَهَرٌ صَغيرٌ بالسُّرْيَانِيَّةِ
وَكِيع هُوَ ابْن الْجراح الرُّؤَاسِي الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده إِسْحَاق السبيعِي واسْمه عَمْرو، وَهُوَ يروي عَن الْبَراء بن عَازِب: أَن السّري فِي قَوْله تَعَالَى: {فناداها من تحتهَا أَن لَا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سرياً} (مَرْيَم: ٤٢) . هُوَ: النَّهر الصَّغِير بالسُّرْيَانيَّة، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الثَّوْريّ، والطبري من طَرِيق شُعَيْب كِلَاهُمَا عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء مَوْقُوفا، وَعَن ابْن جريج: هُوَ الْجَدْوَل بالسُّرْيَانيَّة، وَقيل: هُوَ نهر صَغِير.
٦٣٤٣ - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إلَاّ ثَلاثَةٌ عِيسَى وكانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالِ لَهُ جُرَيْجٌ كانَ يُصَلِّي جاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أوْ أُصَلِّي فقالَتْ أللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حتَّى تُرِيَهُ وجوهَ المُومِسَاتِ وكانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأةٌ وكلَّمَتْهُ فَأبى فأتَتْ رَاعِيَاً فأمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فوَلَدَتْ غُلاماً فقالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فأتَوْهُ فكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وأنْزَلُوهُ وسَبُّوهُ فتَوَضَّأ وصلَّى ثُمَّ أتَى الغُلَامَ فَقَالَ منْ أبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إلَاّ مِنْ طِينٍ وكانَتِ امْرَأةٌ تُرْضِعُ ابْنَاً لَهَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فقالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فتَرَكَ ثَدْيَهَا وأقْبَلَ علَى الرَّاكِبِ فَقَالَ أللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أقْبَلَ على ثَدْيِهَا يَمَصُهُ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمَصُّ إصْبَعَهُ ثُمَّ مرَّ بأمَةٍ فقالَتِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هذِهِ فتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فقالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ وهذِهِ الأمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ ولَمْ تَفْعَلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute