ألقوها) . قَوْله: (فَقَالَت: لِمَ ذلِك؟) أَي: قَالَت الْأُم لابنها: لم قلت هَكَذَا؟ حَاصله أَنَّهَا سَأَلت مِنْهُ عَن سَبَب ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: الإبن: (الرَّاكِب جَبَّار) وَفِي رِوَايَة أَحْمد، فَقَالَ: يَا أمتاه {أما الرَّاكِب ذُو الشارة فجبار من الْجَبَابِرَة، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: فَإِنَّهُ كَانَ جباراً، قَوْله: (سرقتِ زنيتِ) ، يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَحدهمَا بِكَسْر التَّاء لخطاب الْمُؤَنَّث، وَالْآخر بسكونها على الْخَبَر، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: (يَقُولُونَ سرقت وَلم تسرق، وزنيت وَلم تزنِ، وَهِي تَقول: حسبي الله) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: (يَقُولُونَ لَهَا: تَزني؟ وَتقول: حسبي الله، وَيَقُولُونَ لَهَا: تسرقي؟ وَتقول: حسبي الله) . قَوْله: (وَلم تفعل) ، جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنَّهَا لم تسرق وَلم تزنِ.
٦٣٤٣ - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إلَاّ ثَلاثَةٌ عِيسَى وكانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالِ لَهُ جُرَيْجٌ كانَ يُصَلِّي جاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أوْ أُصَلِّي فقالَتْ أللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حتَّى تُرِيَهُ وجوهَ المُومِسَاتِ وكانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأةٌ وكلَّمَتْهُ فَأبى فأتَتْ رَاعِيَاً فأمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فوَلَدَتْ غُلاماً فقالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فأتَوْهُ فكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وأنْزَلُوهُ وسَبُّوهُ فتَوَضَّأ وصلَّى ثُمَّ أتَى الغُلَامَ فَقَالَ منْ أبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إلَاّ مِنْ طِينٍ وكانَتِ امْرَأةٌ تُرْضِعُ ابْنَاً لَهَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فقالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فتَرَكَ ثَدْيَهَا وأقْبَلَ علَى الرَّاكِبِ فَقَالَ أللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أقْبَلَ على ثَدْيِهَا يَمَصُهُ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمَصُّ إصْبَعَهُ ثُمَّ مرَّ بأمَةٍ فقالَتِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هذِهِ فتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فقالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ وهذِهِ الأمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ ولَمْ تَفْعَلْ. مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُوجد من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة فِي قَضِيَّة مِيم وفيهَا التَّعَرُّض لميلاد عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه كَانَ يكلم النَّاس وَهُوَ فِي المهد صبي، وَالصَّبِيّ رَضِيع، وَالصَّبِيّ الَّذِي فِي قَضِيَّة جريج كَذَلِك، وَكَذَلِكَ كَانَ صبي الْمَرْأَة الْحرَّة، وَصبي الْأمة، وَصدر الحَدِيث الَّذِي يشْتَمل على قَضِيَّة جريج قد مر فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب إِذا هدم حَائِطا فليبن مثله، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَمر أَيْضا فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا دعت الْأُم وَلَدهَا فِي الصَّلَاة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنشرح الَّذِي مَا شرح، ونكرر مَا شرح أَيْضا فِي بعض الْمَوَاضِع لطول الْعَهْد بِهِ.
قَوْله: (لم يتَكَلَّم فِي المهد إلَاّ ثَلَاثَة) ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذَا الْحصْر نظر. قلت: لَيْسَ من الْأَدَب أَن يُقَال: فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نظر، بل الَّذِي يُقَال فِيهِ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكر الثَّلَاثَة قبل أَن يعلم بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا، فَكَانَ الْمَعْنى لم يتَكَلَّم إلَاّ ثَلَاثَة على مَا أُوحِي إِلَيْهِ، وإلَاّ فقد تكلم من الْأَطْفَال سَبْعَة. مِنْهُم: شَاهد يُوسُف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَابْن حبَان من حَدِيث ابْن عَبَّاس: لم يتَكَلَّم فِي المهد إلَاّ أَرْبَعَة، فَذكر مِنْهَا شَاهد يُوسُف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهُم: الصَّبِي الرَّضِيع الَّذِي قَالَ لأمه، وَهِي ماشطة بنت فِرْعَوْن، لما أَرَادَ فِرْعَوْن إِلْقَاء أمه فِي النَّار: إصبري يَا أُمَّاهُ فَأَنا على الْحق. أخرج الْحَاكِم نَحوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَمِنْهُم: الصَّبِي الرَّضِيع فِي قصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود: أَن امْرَأَة جِيءَ بهَا لتُلقى فِي النَّار، فَتَقَاعَسَتْ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّاهُ إصبري فَإنَّك على الْحق. وَمِنْهُم: يحيى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرج الثَّعْلَبِيّ فِي (تَفْسِيره) : عَن الضَّحَّاك أَن يحيى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم فِي المهد. قَوْله: (جَاءَتْهُ أمه) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فَجَاءَتْهُ أمه، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي رَافع: كَانَ جريج يتعبد فِي صومعته فَأَتَتْهُ أمه، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: روى الحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن مَعَ أبي هُرَيْرَة، وَلَفظه: كَانَت أمه تَأتيه فتناديه فيشرف عَلَيْهَا فيكلمها، فَأَتَتْهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي صلَاته، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث أبي رَافع: فَأَتَتْهُ أمه ذَات يَوْم فنادته، فَقَالَت: أَي جريج أشرف عَليّ أُكَلِّمك أَنا أمك. . قَوْله: (أجيبها أَو أُصَلِّي) ، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع، فصادفته يُصَلِّي فَوضعت يَدهَا على حاجبها فَقَالَ: يَا جريج. فَقَالَ: يَا رب أُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته، وَرجعت ثمَّ أَتَتْهُ فصادفته يُصَلِّي، فَقَالَت: يَا جريج أَنا أمك فكلمني. وَفِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنَّهَا جَاءَتْهُ ثَلَاث مَرَّات تناديه فِي كل مرّة ثَلَاث مَرَّات، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَقَالَ: أُمِّي وصلاتي؟ لرَبي أوثر صَلَاتي على أُمِّي؟ فَإِن قلت: الْكَلَام فِي الصَّلَاة مُبْطل فَكيف هَذَا؟ قلت: كَانَ الْكَلَام مُبَاحا فِي الصَّلَاة فِي شرعهم، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام، وَقيل: إِنَّه مَحْمُول على أَنه قَالَه فِي نَفسه، لَا أَنه نطق بِهِ. قَوْله: (حَتَّى تريه وُجُوه المومسات) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: حَتَّى تنظر فِي وُجُوه المياميس، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع: حَتَّى تريه المومسة، بِالْإِفْرَادِ، وَفِي حَدِيث عمرَان: فَغضِبت فَقَالَت: أللهم لَا يموتن جريج حَتَّى ينظر فِي وُجُوه المومسات، وَهِي جمع مومسة وَهِي الزَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: فَقَالَت: أَبيت أَن تطلع عَليّ وَجهك؟ لَا أماتك الله حَتَّى تنظر فِي وَجهك زواني الْمَدِينَة، فتعرضت لَهُ امْرَأَة فكلمته فَأبى، فَأَتَت رَاعيا فأمكنته من نَفسهَا. وَفِي رِوَايَة وهب بن جريج بن حَازِم عَن أَبِيه: فَذكر بَنو إِسْرَائِيل عبَادَة جريج، فَقَالَت بغي مِنْهُم: إِن شِئْتُم لأفتننه، قَالُوا: قد شِئْنَا، فَأَتَتْهُ فتعرضت لَهُ فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا، فأمكنت نَفسهَا من رَاع كَانَ يؤوي غنمه إِلَى أصل صومعة جريج، وَفِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: أَنَّهَا كَانَت بنت ملك الْقرْيَة، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: وَكَانَت تأوي إِلَى صومعته راعية ترعى الْغنم، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة: وَكَانَ عِنْد صومعته راعي ضَأْن وراعية معزى فَولدت غُلَاما، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَحملت حَتَّى انْقَضتْ أَيَّامهَا فَولدت. قَوْله: (من جريج) فِيهِ حذف أَيْضا تَقْدِير: فَسُئِلت مِمَّن هَذَا؟ فَقَالَت: من جريج، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع فَقيل لَهَا: مِمَّن هَذَا؟ فَقَالَت: هُوَ من صَاحب الدَّيْر، وَزَاد فِي رِوَايَة أَحْمد: فَأخذت وَكَانَ من زنا مِنْهُم قتل، فَقيل لَهَا: مِمَّن هَذَا؟ قَالَت: هُوَ من صَاحب الصومعة. وَزَاد الْأَعْرَج: نزل إِلَيّ فَأَصَابَنِي، وَزَاد أَبُو سَلمَة لي فِي رِوَايَته: فَذَهَبُوا إِلَى الْملك فأخبروه فَقَالَ أدركوه فائتوني بِهِ قَوْله وكسروا صومعته) . وَفِي رِوَايَة أبي رَافع فَأَقْبَلُوا بفؤسهم ومساحيهم إِلَى الدَّيْر فَنَادَوْهُ فَلم يكلمهم، فَأَقْبَلُوا يهدمون ديره، وَفِي حَدِيث عمرَان: فَمَا شعر حَتَّى سمع بالفؤوس فِي أصل صومعته، فَجعل يسألهم: وَيْلكُمْ مَا لكم؟ فَلم يُجِيبُوهُ، فَلَمَّا رأى ذَلِك أَخذ الْحَبل فَتَدَلَّى. قَوْله: (فسبوه) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وهب بن جرير: وضربوه، فَقَالَ: مَا شَأْنكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّك زَنَيْت بِهَذِهِ، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع عَنهُ: فَقَالُوا: أَي جريج إنزل فَأبى وَأخذ يقبل على صلَاته، فَأخذُوا فِي هدم صومعته، فَلَمَّا رأى ذَلِك نزل، فَجعلُوا فِي عُنُقه وعنقها حبلاً فَجعلُوا يطوفون بهما فِي النَّاس، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة: فَقَالَ لَهُ الْملك: وَيحك يَا جريج} كُنَّا نرَاك خير النَّاس فأحبلت هَذِه؟ اذْهَبُوا بِهِ فاصلبوه. وَفِي حَدِيث عمرَان: فَجعلُوا يضربونه وَيَقُولُونَ: مراءٍ تخادع النَّاس بعملك؟ وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: فَلَمَّا مروا بِهِ نَحْو بَيت الزواني خرجن ينظرن، فَتَبَسَّمَ، فَقَالُوا: لم يضْحك حَتَّى مر بالزواني. قَوْله: (وَتَوَضَّأ وَصلى) ، وَفِي رِوَايَة وهب بن جرير: فَقَامَ وَصلى ودعا، وَفِي حَدِيث عمرَان: قَالَ: فتولوا عني، فتولوا عَنهُ، فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَتَى الْغُلَام، أَي: ثمَّ أَتَى جريج الْغُلَام، فَقَالَ لَهُ: من أَبوك يَا غُلَام؟ قَالَ أَنا ابْن الرَّاعِي، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع: ثمَّ مسح رَأس الصَّبِي، فَقَالَ: من أَبوك؟ قَالَ: راعي الضَّأْن، وَفِي رِوَايَة عِنْد أَحْمد: فَوضع إصبعه على بَطنهَا، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة: فَأتى بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ وفمه فِي ثديها، فَقَالَ لَهُ جريج: يَا غُلَام من أَبوك؟ فَنزع الْغُلَام فَاه من الثدي، وَقَالَ: أبي راعي الضَّأْن، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: فَلَمَّا أَدخل على ملكهم قَالَ جريج أَيْن الصَّبِي الَّذِي وَلدته؟ فَأتي بِهِ، فَقَالَ لَهُ: من أَبوك؟ قَالَ: فلَان، وسمى أَبَاهُ، وَقد مضى فِي أَوَاخِر الصَّلَاة بِلَفْظ: قَالَ: يابابوس ... ومرَّ شَرحه هُنَاكَ. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا اسْم الْغُلَام، وَفِي حَدِيث عمرَان: ثمَّ انْتهى إِلَى شَجَرَة فَأخذ مِنْهَا غصناً، ثمَّ أَتَى الْغُلَام وَهُوَ فِي مهده، فَضَربهُ بذلك الْغُصْن، فَقَالَ: من أَبوك؟ فَإِن قلت: مَا وَجه الْجمع بَين اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: لَا مَانع من وُقُوع الْكل، فَكل روى بِمَا سمع وَمَا قيل بِتَعَدُّد الْقِصَّة فبعيد. قَوْله: (نَبْنِي صومعتك من ذهب، قَالَ: لَا إلَاّ من طين) . وَفِي رِوَايَة وهب بن جرير: (إبنوها من طين كَمَا كَانَت) ، وَفِي رِوَايَة أبي رَافع: (نَبْنِي مَا هدمناه من ديرك بِالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ: لَا، وَلَكِن أعيدوه كَمَا كَانَ، فَفَعَلُوا) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ إِيثَار إِجَابَة الْأُم على صَلَاة التَّطَوُّع، لِأَن إِجَابَة الْأُم وَاجِبَة فَلَا تتْرك لأجل النَّافِلَة، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث يزِيد بن حَوْشَب عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَو كَانَ جريج فَقِيها لعلم أَن إِجَابَة أمه أولى من عبَادَة ربه) ، أخرجه الْحسن بن سُفْيَان. قلت: قَالَ الذَّهَبِيّ: حَوْشَب بن يزِيد الفِهري مَجْهُول، روى عَنهُ ابْنه يزِيد فِي ذكر جريج الراهب، وَتمسك بعض الشَّافِعِيَّة بِظَاهِر الحَدِيث فِي جَوَاز قطع الصَّلَاة لإجابة الْأُم سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا، وَالأَصَح عِنْدهم: أَنه على التَّفْصِيل، وَهُوَ أَن الصَّلَاة إِن كَانَت نفلا وَعلم تأذي الْوَالِد أَو الوالدة وَجَبت الْإِجَابَة، وَإِن كَانَت فرضا وضاق الْوَقْت لم تجب الْإِجَابَة، وَإِن لم يضق وَجَبت عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَخَالفهُ غَيره لِأَنَّهَا تلْزم بِالشُّرُوعِ، وَعند الْمَالِكِيَّة: إِن إِجَابَة الْوَالِد فِي النَّافِلَة أفضل من التَّمَادِي فِيهَا، وَحكى القَاضِي أَبُو الْوَلِيد: أَن ذَلِك يخْتَص بِالْأُمِّ دون الْأَب، وَبِه قَالَ مَكْحُول، وَقيل: لم يقل بِهِ من السّلف غَيره. وَفِيه: قُوَّة يَقِين جريج وَصِحَّة رجائه لِأَنَّهُ استنطق الْمَوْلُود مَعَ كَون الْعَادة أَنه لَا ينْطق، وَلَوْلَا صِحَة رجائه بنطقه لما استنطقه، وَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون جريج كَانَ نَبيا فَتكون معْجزَة. وَفِيه: عظم بر الْوَالِدين وَإجَابَة دعائهما، وَلَو كَانَ الْوَلَد مَعْذُورًا لَكِن يخْتَلف الْحَال فِي ذَلِك بِحَسب الْمَقَاصِد وَفِيه صَاحب الصدْق مَعَ الله تَعَالَى لَا تضره الْفِتَن وَفِيه اثبات الْكَرَامَة للأولياء وَوُقُوع الْكَرَامَة لَهُم بإختيارهم وطلبهم. وَفِيه: جَوَاز الْأَخْذ بالأشد فِي الْعِبَادَة لمن يعلم من نَفسه قُوَّة على ذَلِك. وَفِيه: أَن الْوضُوء لَا يخْتَص بِهَذِهِ الْأمة، خلافًا لمن زعم ذَلِك، وَإِنَّمَا الَّذِي يخْتَص بِهَذِهِ الْأمة الْغرَّة والتحجيل فِي الْآخِرَة. وَفِيه: أَن مرتكب الْفَاحِشَة لَا تبقى لَهُ حُرْمَة. وَفِيه: أَن الْفَزع فِي الْأُمُور المهمة إِلَى الله تَعَالَى يكون بالتوجه إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة، وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا الحَدِيث على أَن من شرع بني إِسْرَائِيل أَن الْمَرْأَة تصدق فِيمَا تدعيه على الرِّجَال من الْوَطْء، وَيلْحق بِهِ الْوَلَد، وَأَنه لَا ينفع الرجل جحد ذَلِك إلَاّ بِحجَّة تدفع قَوْلهَا.
قَوْله: (وَكَانَت امْرَأَة) إِلَى آخِره، قَضِيَّة أُخْرَى تشبه قَضِيَّة جريج (وَامْرَأَة) بِالرَّفْع فَاعل: كَانَت، وَهِي تَامَّة. قَوْله: (فَمر بهَا رجل) ويروى: إِذْ مر بهَا رَاكب جمل، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من خلاس عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: فَارس متكبر. قَوْله: (ذُو شارة) ، بالشين الْمُعْجَمَة وبالراء المخففة أَي: ذُو حسن وجمال، وَقيل: صَاحب هَيْئَة وملبس حسن يتعجب مِنْهُ ويشار إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة خلاس: (ذُو شارة حَسَنَة) . قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَفِيه الْمُبَالغَة فِي إِيضَاح الْخَبَر بتمثيله بِالْفِعْلِ. قَوْله: (ثمَّ مر بِأمة) ، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء على بِنَاء الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وهب بن جرير: (بِأمة تضرب) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة الْآتِيَة فِي ذكر بني إِسْرَائِيل: (تجرر ويلعب بهَا) ، وتجرر بجيم مَفْتُوحَة بعْدهَا رَاء مُشَدّدَة ثمَّ رَاء أُخْرَى، وَفِي رِوَايَة خلاس: (أَنَّهَا كَانَت حبشية أَو زنجية وَأَنَّهَا مَاتَت، فجروها حَتَّى ألقوها) . قَوْله: (فَقَالَت: لِمَ ذلِك؟) أَي: قَالَت الْأُم لابنها: لم قلت هَكَذَا؟ حَاصله أَنَّهَا سَأَلت مِنْهُ عَن سَبَب ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: الإبن: (الرَّاكِب جَبَّار) وَفِي رِوَايَة أَحْمد، فَقَالَ: يَا أمتاه! أما الرَّاكِب ذُو الشارة فجبار من الْجَبَابِرَة، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: فَإِنَّهُ كَانَ جباراً، قَوْله: (سرقتِ زنيتِ) ، يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَحدهمَا بِكَسْر التَّاء لخطاب الْمُؤَنَّث، وَالْآخر بسكونها على الْخَبَر، وَفِي رِوَايَة أَحْمد: (يَقُولُونَ سرقت وَلم تسرق، وزنيت وَلم تزنِ، وَهِي تَقول: حسبي الله) ، وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج: (يَقُولُونَ لَهَا: تَزني؟ وَتقول: حسبي الله، وَيَقُولُونَ لَهَا: تسرقي؟ وَتقول: حسبي الله) . قَوْله: (وَلم تفعل) ، جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنَّهَا لم تسرق وَلم تزنِ.
٧٣٤٣ - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ. حدَّثني مَحْمودٌ حدَّثنا عبْدُ الرَّزَّاق أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبرني سَعيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنعَتَهُ فإذَا رَجُل حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأسِ كأنَّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ قَالَ ولَقِيتُ عِيسَى فنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَبْعَةٌ أحْمَرُ كأنَّمَا خَرَجَ مِن دِيماسٍ يَعْنِي الحَمَّامَ ورَأيْتُ إبْرَاهِيمَ وأنَا أشْبَهُ ولَدِهِ بِهِ قالَ وأُتِيتُ بإنَاءَيْنِ أحَدُهُمَا لَبَنٌ والآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ فَقِيلَ لِي خُذْ أيُّهُمَا شِئْتَ فأخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ فَقِيلَ لِي هُدِيتَ الفِطْرَةَ أوْ أصَبْتَ الفِطْرَةَ أمَّا إنَّكَ لَوْ أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا التَّعَرُّض لعيسى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهنا صرح بِذكر عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَهل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} (طه: ٩، النازعات: ٥١) . فَإِنَّهُ إخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَيْضا. وَأخرجه هَهُنَا من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر. وَالْآخر: عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فنعته) ، أَي: وَصفه. قَوْله: (حسبته) الْقَائِل حسبته هُوَ عبد الرَّزَّاق. قَوْله: (مُضْطَرب) ، أَي: طَوِيل غير الشَّديد، وَقيل: الْخَفِيف اللَّحْم، وَقد تقدم فِي رِوَايَة هِشَام بِلَفْظ: ضرب، وَفسّر بالخفيف وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا الْوَصْف مُغَاير لقَوْله بعد هَذَا: إِنَّه جسيم، قَالَ: وَالَّذِي وَقع نَعته بِأَنَّهُ جسيم إِنَّمَا هُوَ الدَّجَّال، وَقَالَ عِيَاض: رِوَايَة من قَالَ: ضرب، أصح من رِوَايَة من قَالَ: مُضْطَرب، لما فِيهَا من الشَّك، قَالَ: وَقد وَقع فِي رِوَايَة أُخْرَى على مَا يَأْتِي الْآن: جسيم، وَهُوَ ضد الضَّرْب إلَاّ أَن يُرَاد بالجسيم الزِّيَادَة فِي الطول، وَقَالَ التَّيْمِيّ: لَعَلَّ بعض لفظ هَذَا الحَدِيث دخل فِي بعض لِأَن الجسيم ورد فِي صفة الدَّجَّال لَا فِي صفة مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (ربعَة) ، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيجوز فتحهَا، وَهُوَ المربوع وَالْمرَاد أَنه وسط لَا طَوِيل وَلَا قصير.
٨٣٤٣ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ أخْبرَنا إسْرَائِيلُ أخبَرَنا عُثْمَانُ بنُ الْمُغِيرَةِ عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ الْنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُ عِيساى ومُوسَى وإبْرَاهِيمَ فأمَّا عِيسَى فأحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وأمَّا مُوسَى فآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كأنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي ذكر لفظ عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس ابْن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَعُثْمَان هُوَ ابْن الْمُغيرَة الثَّقَفِيّ الْكُوفِي الْأَعْشَى، وَيُقَال لَهُ: عُثْمَان بن أبي زرْعَة، وَأَبُو زرْعَة هُوَ كنية الْمُغيرَة، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ من صغَار التَّابِعين، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَهُوَ يروي عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الْحَافِظ: أَخطَأ البُخَارِيّ فِي قَوْله: مُجَاهِد عَن ابْن عمر، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير وَإِسْحَاق فَإِنَّهُ قَالَ هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات المسموعة عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ وَلَا ادري إِلَى آخر مَا قَالَه التَّيْمِيّ ثمَّ قَالَ ابو ذَر