للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقرب ذَلِك أَن كلا مِنْهُمَا يُقَال لَهُ: الْمَسِيح، وَهِي صفة مدح فِي حق عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَصفَة ذمّ فِي حق الدَّجَّال كَمَا ذكر، وَكَأن ابْن عمر قد تحقق سَمعه فِي وصف عِيسَى بِأَنَّهُ آدم فجوز الْحلف على غَلَبَة الظَّن، وَأَن من وَصفه بِأَنَّهُ أَحْمَر قد وهم فِيهِ. قَوْله: (بَينا أَنا نَائِم) ، قد ذكرنَا غير مرّة أَن أصل: بَينا، بَين فأشبعت الفتحة ألفا، وَأَنه ظرف مُضَاف إِلَى جملَة، وَهَذَا يدل على أَن رُؤْيَته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذِه الْمرة غير رُؤْيَته الَّتِي ذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي مضى عَن قريب فِي هَذَا الْبَاب، فَإِن تِلْكَ كَانَت لَيْلَة الْإِسْرَاء. فَإِن قلت: الَّتِي كَانَت فِي الْإِسْرَاء على الِاخْتِلَاف فِي الْإِسْرَاء: هَل كَانَ فِي النّوم أَو فِي الْيَقَظَة؟ قلت: قد قيل: إِنَّه كَانَ فِي الْمَنَام، وَلَكِن الصَّحِيح أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة، وَأَن رُؤْيَته الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَت فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء، كَانَت بالأشخاص، وَإِن زعم بَعضهم أَنَّهَا كَانَت بالأرواح. فَإِن قلت: إِذا كَانَت الرُّؤْيَة فِي الْمَنَام فَلَا إِشْكَال، وَإِذا كَانَت فِي الْيَقَظَة فَفِيهِ إِشْكَال، وَيزِيد الْإِشْكَال مَا رَوَاهُ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: (أما مُوسَى فَرجل آدم جعد على جمل أَحْمَر مَخْطُوم بخلبة كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ إِذا انحدر فِي الْوَادي) ، وَقد تقدم فِي الْحَج، وَكَذَلِكَ رُؤْيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُوسَى لَيْلَة الْمِعْرَاج وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبره. قلت: لَا إِشْكَال فِي هَذَا أصلا، وَذَلِكَ أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل من الشُّهَدَاء، وَالشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم، فالأنبياء بِالطَّرِيقِ الأولى، وَلَا سِيمَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد مُسلم، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أنظر إِلَى مُوسَى، وَكَأَنِّي أنظر إِلَى يُونُس، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا يبعد أَن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إِلَى الله تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعُوا مَا دَامَت الدُّنْيَا وَهِي دَار التَّكْلِيف بَاقِيَة. قَوْله: (يهادَى بَين رجلَيْنِ) أَي: يمشي بَينهمَا مائلاً إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ مُتكئا عَلَيْهِمَا. قَوْله: (ينطف) ، بِكَسْر الطَّاء وَضمّهَا أَي: يقطر (وَرَأسه) بِالرَّفْع فَاعل لَهُ، وَقَوله: (مَاء) ، يصب على التَّمْيِيز. قَوْله: (أَو يهراق) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ بِضَم الْيَاء وَفتح الْهَاء وسكونها. قَوْله: (أَعور عينه الْيُمْنَى) ، بِإِضَافَة أَعور إِلَى عينه من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وارتفاع: أَعور، على أَنه صفة لقَوْله: رجل بعد صفة، وروى الْأصيلِيّ بِرَفْع: عينه، بِقطع إِضَافَة أَعور عَنهُ، وَذكر بَعضهم وَجه ذَلِك بقوله: كَأَنَّهُ وقف على وَصفه بِأَنَّهُ أَعور، وابتدأ الْخَبَر عَن صفة عينه، فَقَالَ: عينه كَأَنَّهَا كَذَا، وأبرز الضَّمِير، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ يصير كَأَنَّهُ قَالَ عينه كَانَ عينه انْتهى قلت لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التخبيط حَيْثُ يذكر وَجها فِي إعرابه ثمَّ يَقُول وَفِيه نظروالذي يُقَال فِيهِ على مَا ذهب إِلَيْهِ الْأصيلِيّ أَن تكون: عينه، بِالرَّفْع بدل من قَوْله: أَعور، وَيجوز أَن يكون ارتفاعه على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: عينه الْيُمْنَى عوراء، وَتَكون هَذِه الْجُمْلَة صفة كاشفة لقَوْله: أَعور. قَوْله: (كَأَن عينه عنبة طافية) ، هَذَا على رِوَايَة الْأَكْثَرين على أَن عينه مَنْصُوبَة على أَنه اسْم: كَانَ. وَقَوله: عنبة، خَبره، وَهُوَ بِكَسْر الْعين وَفتح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة، و: طافية، صفتهَا، أَي: مُرْتَفعَة، وَعند الْأصيلِيّ: كَأَن عينه طافية، ويروى: كَأَن عنبة طافية، بِالنّصب على أَنه اسْم: كَأَن، وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: كَأَن فِي وَجهه عنبة طافية، وَالْخَبَر مقدم على الإسم. قَوْله: (هَذَا الدَّجَّال) . فَإِن قلت: كَيفَ هَذَا وَيحرم على الدَّجَّال دُخُول مَكَّة؟ قلت: ذَاك فِي زمن خُرُوجه على النَّاس، وَأَيْضًا لفظ الحَدِيث أَنه: لَا يدْخل مَكَّة، وَلَيْسَ فِيهِ نفي الدُّخُول فِي الْمَاضِي. قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ) ، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (رجل) ، أَي: ابْن قطن رجل من خُزَاعَة هلك فِي الْجَاهِلِيَّة، و: خُزَاعَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة هُوَ: ربيعَة، وَرَبِيعَة هُوَ لحي بن حَارِثَة بن عَمْرو بن مزيقيا بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة ابْن مَازِن بن الأزد، وَقيل لَهُم: خُزَاعَة لأَنهم تخزعوا من بني مَازِن بن الأزد فِي إقبالهم مَعَهم من الْيمن، أَي: انْقَطَعُوا عَنْهُم. قَوْله: (جاهلي) ، نِسْبَة إِلَى الْجَاهِلِيَّة، وَهِي الْحَالة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا الْعَرَب قبل الْإِسْلَام من الْجَهْل بِاللَّه وَرَسُوله وَشَرَائِع الدّين والمفاخرة بالأنساب وَالْكبر والتجبر وَغير ذَلِك.

٢٤٤٣ - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو سلَمَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أنَا أوْلَى النَّاسِ بابنِ مَرْيَمَ والأنْبِيَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>