للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا فِي متن الحَدِيث. قَوْله: (قد زنت) حَال من: قردة، المفردة. فَإِن قلت: كَيفَ ذكر قَوْله: (اجْتمع) مَعَ أَن فَاعله جمَاعَة، وَهُوَ قَوْله: (قردة) وَكَذَلِكَ ذكر الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: (رجموها) وَفِي قَوْله: مَعَهم؟ قلت: أما الأول: فلوقوع الْفَصْل بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل. وَأما الثَّانِي: فباعتبار أَن الرَّاوِي كَانَ بَين القردة، فغلب الْمُذكر على الْمُؤَنَّث، وأصل هَذِه الْقِصَّة مَا ذكرهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ مشروحة من طَرِيق عِيسَى بن حطَّان عَن عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَ: كنت فِي الْيمن فِي غنمٍ لأهلي وَأَنا على شرف، فجَاء قرد مَعَ قردة فتوسد يَدهَا، فجَاء قرد أَصْغَر مِنْهُ فغمزها، فسلت يَدهَا من تَحت رَأس القرد الأول سلاًّ رَفيقاً وتبعته، فَوَقع عَلَيْهَا وَأَنا أنظر، ثمَّ رجعت فَجعلت تدخل يَدهَا من تَحت خد الأول بِرِفْق، فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا، فشمها فصاح فاجتمعت القرود، فَجعل يصيخ ويومي إِلَيْهَا بِيَدِهِ، فَذهب القرود يمنة ويسرة، فَجَاءُوا بذلك القرد أعرفهُ، فَحَفَرُوا لَهما حُفْرَة فرجموهما، فَلَقَد رَأَيْت الرَّجْم فِي غير بني آدم. وَقَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا من نسل الَّذين مسخوا فَبَقيَ فيهم ذَلِك الحكم. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غير الْمُكَلف وَإِقَامَة الْحُدُود فِي الْبَهَائِم عِنْد جمَاعَة أهل الْعلم مُنكر، وَلَو صَحَّ لكانوا من الْجِنّ، لِأَن الْعِبَادَات فِي الْجِنّ وَالْإِنْس دون غَيرهمَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال: كَانُوا من الْإِنْس فمسخوا قردة وتغيروا عَن الصُّورَة الإنسانية فَقَط، وَكَانَ صورته صُورَة الزِّنَا وَالرَّجم وَلم يكن ثمَّة تَكْلِيف وَلَا حدّ، وَإِنَّمَا ظَنّه الَّذِي ظن فِي الْجَاهِلِيَّة مَعَ أَن هَذِه الْحِكَايَة لم تُوجد فِي بعض نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْحميدِي: فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : هَذَا الحَدِيث وَقع فِي بضع نسخ البُخَارِيّ، وَأَن أَبَا مَسْعُود وَحده ذكره فِي (الْأَطْرَاف) ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ أصلا، فَلَعَلَّهُ من الْأَحَادِيث المقحمة فِي كتاب البُخَارِيّ، وَقَالَ بَعضهم فِي الرَّد على ابْن التِّين بِأَنَّهُ: ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : أَن الممسوخ لَا نسل لَهُ، وَيُعَكر عَلَيْهِ بِمَا ثَبت أَيْضا فِي صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أُوتِيَ بالضب، قَالَ: لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي مسخت. وَقَالَ فِي الفأر: فقدت أمة من بني إِسْرَائِيل لَا أَرَاهَا إلَاّ الفار وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو إِسْحَاق الزّجاج وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ حَيْثُ قَالَا: إِن الْمَوْجُود من القردة من نسل الممسوخ، وَأجِيب بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك قبل الْوَحْي إِلَيْهِ يحقيقة الْأَمر فِي ذَلِك، وَفِيه نظر لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرَّد على ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون صُورَة الْوَاقِعَة صُورَة الزِّنَا، وَالرَّجم يكون ذَلِك زنا حَقِيقَة وَلَا حدا، وَإِنَّمَا أطلق ذَلِك عَلَيْهِ لشبهه بِهِ، فَلَا يسْتَلْزم ذَلِك إِيقَاع التَّكْلِيف على الْحَيَوَان. وَأجِيب: عَنهُ بِالْجَوَابِ الأول من جوابي الْكرْمَانِي فِي ذَلِك، وَقَالَ فِي الرَّد على الْحميدِي، بقوله: وَمَا قَالَه الْحميدِي مَرْدُود، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُعظم الْأُصُول الَّتِي وقفنا عَلَيْهَا، ورد عَلَيْهِ بِأَن وقُوف الْحميدِي على الْأُصُول أَكثر وَأَصَح من وقُوف هَذَا الْمُعْتَرض، لِأَنَّهُ جمع بَين (الصَّحِيحَيْنِ) وَمثله أدرى بحالهما، وَلَو كَانَ فِي أصل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث لم يجْزم بنفيه عَن الْأُصُول قطعا وجزماً على أَنه غير مَوْجُود فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وتجويز الْحميدِي أَن يُزَاد فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) مَا لَيْسَ مِنْهُ يُنَافِي مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء من الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه، وَمن اتِّفَاقهم على أَنه مَقْطُوع بنسبته إِلَيْهِ. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن مِنْهُم من تعرض إِلَى بعض رِجَاله بِعَدَمِ الوثوق وبكونه من أهل الْأَهْوَاء، وَدَعوى الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِيهِ غير موجهة، لِأَن دَعْوَى الْكُلية تحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع، وَيرد مَا قَالَه أَيْضا بِأَن النَّسَفِيّ لم يذكر هَذَا الحَدِيث فِيهِ.

٠٥٨٣ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثَنَا سُفْيَانُ عنْ عُبَيْدِ الله سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ خِلَالٌ مِنْ خِلالِ الجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الأنْسَابِ والنِّياحَةُ ونَسيَ الثَّالِثَةَ: قَالَ سُفْيَانُ ويَقُولُونَ إنَّهَا الاسْتِسْقَاءُ بالأنْوَاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله تَصْغِير عبد بن أبي يزِيد الْمَكِّيّ، مولى آل قارظ بن شيبَة الْكِنَانِي. وَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَآخَرُونَ، وَكَانَ مكثراً. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة، وَله سِتّ وَثَمَانُونَ سنة.

قَوْله: (خلال) أَي: خِصَال ثَلَاث من خِصَال الْجَاهِلِيَّة. أَحدهَا: (االطعن فِي الْأَنْسَاب) كطعنهم فِي نسب أُسَامَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>