(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى مَا مؤمنوها مثل أرجاسها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسْمُ بِعَيْنَيْك إِلَى رَأسهَا)
قَالَ: ثمَّ نبهني، وَقَالَ: يَا سَواد! إِن الله قد بعث نَبيا فانهض إِلَيْهِ تسعد وترشد، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة أَتَانِي فنبهني ثمَّ قَالَ:
(عجبت للجن وتطلابهاوشدها العيس بأقتابها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ قدامها كأذنابها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسم بِعَيْنَيْك إِلَى نابها)
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَانِي فنبهني، فَقَالَ:
(عجبت للجن وتجارهاوشدها العيس بأكوارها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ ذَوُو الشَّرّ كأخيارها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمما مؤمنو الْجِنّ ككفارها)
قَالَ: فَوَقع فِي قلبِي الْإِسْلَام وأتيت الْمَدِينَة، فَلَمَّا رَآنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مرْحَبًا بك يَا سَواد بن قَارب، قد علمنَا مَا جَاءَ بك. قَالَ: قلت شعرًا فاسمعه مني، فَقلت:
(أَتَانِي رئبي بعد ليل وهجعة فَلم أكُ فِيمَا قد بليت بكاذبِ)
(ثلاثُ لَيال قَوْله كل لَيْلَة: أَتَاك نَبِي من لؤَي بن غَالب)
(فشمرت عَن ساقي الْإِزَار ووسطتبي الذعلب الوجناء عِنْد السباسب)
(فَأشْهد أَن الله لَا رب غيرهوأنك مَأْمُون على كل غَائِب)
(وَأَنَّك أدنى الْمُرْسلين شَفَاعَة إِلَى الله يَا ابْن الأكرمين الأطايب)
(فمرنا بِمَا يَأْتِيك يَا خير مرسلوإن كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذوائب)
(فَكُن لي شَفِيعًا لَا ذُو شَفَاعَة سواك بمغنٍ عَن سَواد بن قَارب)
قَالَ: فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه. قَوْله: إِلَى أرجاسها، جمع رِجْس وَهُوَ النَّجس، وَأَرَادَ بهم الْمُشْركين. قَوْله: (واسمُ) من سما يسمو. أَي أعلُ وَانْظُر بِعَيْنَيْك. قَوْله: (تطلبانها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة وَهُوَ من المصادر الشاذة و (العيس) بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: جمع عيساء، قَالَ ابْن الْأَثِير: العيس الْإِبِل الْبيض مَعَ شقرة يسيرَة وَاحِدهَا أعيس وعيسا، والأقتاب جمع قتَب بِفتْحَتَيْنِ، وَهُوَ للجمل كالإكاف لغيره. قَوْله: (لَيْسَ قداماها) من: قوادم الطير، وَهِي: مقاديم ريشه وَهِي عشرَة فِي كل جنَاح، الْوَاحِدَة قادمة وَهِي القدامى أَيْضا، وَيُقَال: القدامى تكون وَاحِدَة وَتَكون جمعا والأذناب جمع ذَنْب. قَوْله: (إِلَى نابها) الناب بالنُّون وبالباء الْمُوَحدَة وَمَعْنَاهُ: سيد الْقَوْم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: نَاب الْقَوْم سيدهم والناب المسنة من الْإِبِل النوق. قَوْله: (وتجآرها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة، وَأَصله من جأر إِذا تضرع وَهُوَ من المصادر الشاذة والأكوار جمع كور بِالضَّمِّ، وَهُوَ رَحل النَّاقة بأداته وَهُوَ كالسرج وآلته للْفرس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَكثير من النَّاس يفتح الْكَاف وَهُوَ خطأ. قَوْله: (رئي) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ التَّابِع من الْجِنّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: رئي بِوَزْن كمي وَهُوَ فعيل أَو فعول، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يتَرَاءَى لمتبوعه أَو هُوَ: من الرَّأْي من قَوْلهم فلَان رأى قومه إِذا كَانَ صَاحب رَأْيهمْ، وَقد تكسر راؤه لاتباعها مَا بعْدهَا. قَوْله: (فِيمَا قد بليت) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: فِيمَا قد جربت. قَوْله: (الذعلب) بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهِي النَّاقة السريعة (والوجناء) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم بالنُّون الممدودة والهمزة فِي آخِره: وَهِي الغليظة الصلبة، وَقيل: الْعَظِيمَة الوجنتين (والسباسب) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر السِّين الثَّانِيَة وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى، وَهُوَ جمع سبسب وَهِي القفر والمفازة. قَوْله: (أدنى الْمُرْسلين) أَي: أقربهم وأولاهم. قَوْله: (بَيْنَمَا أَنا عِنْد