كَونه فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَن صَار مُسلما. قَوْله: (أَو) ، بِسُكُون الْوَاو أَي: (أَو إِن هَذَا) يَعْنِي: سَواد بن قَارب مُسْتَمر على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة يَعْنِي: على عبَادَة مَا كَانُوا يعْبدُونَ. قَوْله: (لقد كَانَ كاهنهم) ، أَي: كَاهِن قومه. قَوْله: (عليَّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (الرجل بِالنّصب) أَي: أحضروه إِلَيّ وقربوه مني. قَوْله: (فدعي بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: دعِي بِالرجلِ وَهُوَ سَواد بن قَارب، ويروى: فدعي لَهُ، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يكون الضَّمِير فِي قَوْله: لَهُ، رَاجعا إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: دعِي الرجل لأَجله. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ ذَلِك) ، أَي: قَالَ لَهُ عمر، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه فِي غيبته قبل أَن يحضر بَين يَدَيْهِ من التَّرَدُّد بقوله أَو، فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب: فَقَالَ: فَأَنت على مَا كنت عَلَيْهِ من كهانتك؟ فَغَضب سَواد. وَاقْتصر عمر هُنَا على أخف الْأَمريْنِ وهما: الكهانة والشرك، تلطفاً بِهِ. قَوْله: (مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ) ، أَي: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم حَيْثُ (استقبلَ بِهِ) أَي: فِيهِ (رجل مُسلم) ، وارتفاع رجل بقوله: اسْتقْبل، الَّذِي هُوَ على صِيغَة الْبناء للْفَاعِل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: اسْتقْبل، على صِيغَة الْمَجْهُول، فعلى هَذَا قَوْله: الرجل، مَرْفُوع أَيْضا، لِأَن الْفِعْل مُسْتَند إِلَيْهِ، وَالْبَاء فِي: بِهِ، بِمَعْنى: فِي، أَيْضا. وَالضَّمِير يرجع إِلَى الْيَوْم، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي ذَر: رجلا مُسلما، بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: رجلا، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: رَأَيْت، وَفِي الْقلب من هَذَا دغدغة على مَا لَا يخفى إِن كَانَ مُرَاده: رَأَيْت، الْمُصَرّح بِهِ فِي الحَدِيث، فَإِن قدر لفظ: رَأَيْت، آخر، يكون موجهاً تَقْدِيره حِينَئِذٍ: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم رَأَيْت اسْتقْبل بِهِ أَي: بالْكلَام الْمَذْكُور رجلا مُسلما. قَوْله: (اسْتقْبل بِهِ) ، جملَة مُعْتَرضَة بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَحَاصِل الْمَعْنى: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَأَيْت فِيهِ رجلا اسْتقْبل بِهِ أَي: فِي الْيَوْم، وَرَأَيْت الشُّرَّاح فِيهِ عاجزين، فَمنهمْ من لم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مَا كَأَنَّهُ مَا اطلع على الْمَتْن، وَمِنْهُم من تصرف فِيهِ بالتعسف. قَوْله: (فَإِنِّي أعزم) أَي: قَالَ سَواد بن قَارب، كنت كَاهِن الْقَوْم، والكاهن هُوَ الَّذِي يتعاطى الْأَخْبَار المغيبة ويخبر بهَا، وَكَانَ فِي الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كهان كثير، وَأَكْثَرهم كَانَ يعْتَمد على تَابعه من الْجِنّ، وَأما الَّذِي كَانَ يَدعِي معرفَة ذَلِك بمقدمات أَسبَاب يسْتَدلّ بهَا على مواقعها من كَلَام من يسْأَله فَهُوَ الَّذِي يُسمى: عرافاً. قَوْله: (فَمَا أعجب) كلمة: مَا، استفهامية، وأعجب، بِالرَّفْع أَي: أَي شَيْء أعجب. قَوْله: (مَا جَاءَت بِهِ) ، كلمة: مَا، يجوز أَن تكون مَوْصُولَة بَدَلا من كلمة: مَا، فِي: مَا أعجب، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: أَي شَيْء أعجب من مَجِيء جنيتك بالأخبار، والجنية تَأْنِيث الجني، وأنثه تحقيراً لَهُ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون قد عرف أَن تَابع سَواد من الْجِنّ أُنْثَى، أَو هُوَ كَمَا يُقَال: تَابع الذّكر أُنْثَى وتابع الْأُنْثَى الذّكر. قَوْله: (جَاءَتْنِي) أَي: الجنية. قَوْله: (الْفَزع) ، بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي: الْخَوْف، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب: أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: الجنية. قَوْله: (ألم تَرَ الْجِنّ. .) إِلَى آخِره، من الرجز، و: الْجِنّ، مَنْصُوب بقوله: ألم تَرَ، قَوْله: (وإبلاسها) بِالنّصب عطفا على مَا قبله، وإبلاس، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الإبلاس الْحيرَة وَمِنْه الحَدِيث: ألم تَرَ الْجِنّ وإبلاسها، أَي: تحيرها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إبلاسها، أَي: انكسارها، وَقَالَ غَيره: صيرورتها مثل إِبْلِيس حائراً بائراً. قَوْله: (ويأسها) ، بِالنّصب أَيْضا عطفا على مَا قبله، والياس بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف ضد الرَّجَاء. قَوْله: (من بعد إنكاسها) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون، أَي: من بعد انتكاسها، والانتكاس الانقلاب على الرَّأْس، ويروى: من بعد أنساكها، بِفَتْح الْهمزَة، قَالَ ابْن الْأَثِير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة، أَي: متعبداتها، وَقَالَ ابْن فَارس الأنساك جمع نسك، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يألفه، أَرَادَ أَنَّهَا يئست من السّمع بعد أَن كَانَت ألفته، وروى الدَّاودِيّ: من بعد إيناسها، وَقَالَ: يَعْنِي كَانَت تأنس إِلَى مَا تسمع. قَوْله: (ولحوقها) ، بِالنّصب عطفا على: إبلاسها، وَيجوز بِالْجَرِّ عطفا على، أنكاسها، قَوْله: (بالقلاص) ، بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأُرِيد بالقلاص أهل القلاص وهم الْعَرَب على طَرِيق الْكِنَايَة وَقَالَ غَيره أَرَادَ تفرقهم ونفارهم كَرَاهِيَة الْإِسْلَام قَوْله (وإحلاسها) بِفَتْح الْهمزَة جمع حلْس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ كسَاء رَقِيق يوضع تَحت البردعة رِعَايَة لظهر الدَّوَابّ، وَفِي رِوَايَة: أَن الجني عاوده ثَلَاث مَرَّات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عازم: كَانَ لَهُ، أَي لسواد بن قَارب رائي من الْجِنّ، قَالَ: بَينا أَنا نَائِم إِذْ جَاءَنِي، فَقَالَ: قُم فَافْهَم واعقل إِن كنت تفعل، قد بعث رَسُول من لؤَي بن غَالب، ثمَّ أنشأ يَقُول:
(عجبت للجن وأجناسهاوشدها العيس بأحلاسها)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute