فَلَا نسلم فِيهِ الْمُلَازمَة الَّتِي ذكرهَا، وَلَئِن سلمنَا فَمَاذَا يَتَرَتَّب إِذا مَشى أَبُو بكر بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هُوَ الْمَطْلُوب عِنْد الْمُلُوك وأكابر النَّاس ولائمة ملك وَلَا كَبِير أشرف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا أجلّ قدرا. وَأما كَلَام الْمُجيب فَإِنَّهُ يسْقط بِسُقُوط الِاعْتِرَاض. قَوْله: (وَأَبُو بكر شيخ يعرف) أما كَونه شَيخا فَلِأَنَّهُ قد شَاب، وَمَعَ هَذَا فَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أسن من أبي بكر على الصَّحِيح، لَكِن كَانَ شعر أبي بكر أَبيض وَأكْثر بَيَاضًا من شعر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما كَونه يعرف، فَلِأَنَّهُ كَانَ يمر على أهل الْمَدِينَة فِي سفر التِّجَارَة، بِخِلَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (يهديني السَّبِيل) ، وَسبب هَذَا القَوْل مَا ذكره ابْن سعد فِي رِوَايَة لَهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لأبي بكر: ألهُ النَّاس عني، فَكَانَ إِذا سُئِلَ: من أَنْت؟ قَالَ: باغي حَاجَة، فَإِذا قيل: من هَذَا؟ قَالَ: هادٍ يهديني، يُرِيد الْهِدَايَة فِي الدّين، ويحسبه الآخر دَلِيلا. قَوْله: (ويحسب) ، أَي: يظنّ. قَوْله: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله! هَذَا فَارس) وَهُوَ سراقَة بن مَالك جعْشم. قَوْله: (ثمَّ قَامَت تحمحم) ، من الحمحمة بالمهملتين: وَهِي صَوت الْفرس، وَقَالَ ابْن التِّين: فِي هَذَا الْكَلَام نظر، لِأَن الْفرس إِن كَانَت أُنْثَى فَلَا يجوز: فصرعه، وَإِن كَانَ ذكرا فَلَا يُقَال: ثمَّ قَامَت، وَقَالَ بَعضهم وإنكاره من الْعَجَائِب. وَالْجَوَاب أَنه ذكَّر بِاعْتِبَار لفظ الْفرس، وأنَّث بِاعْتِبَار مَا فِي نفس الْأَمر من أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى. قلت: الْجَواب الَّذِي يُقَال مَا قَالَه أهل اللُّغَة مِنْهُم الْجَوْهَرِي: الْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَلم يقل أحد: إِنَّه يذكر بِاعْتِبَار لَفظه وَيُؤَنث بِاعْتِبَار أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى، فَهَذَا الَّذِي ذكره على قَوْله يمشي فِي غير الْفرس أَيْضا، وَلَكِن لم يقل بِهِ أحد وَلَا لَهُ وَجه. قَوْله: (لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا) هُوَ كَقَوْلِهِم: لَا تدن من الْأسد يهلكك. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ ظَاهر على مَذْهَب الْكسَائي وَلم يبين ذَلِك. قلت: هَذَا الْمِثَال غير صَحِيح عِنْد غير الْكسَائي، لِأَن فِيهِ فَسَاد الْمَعْنى، لِأَن انْتِفَاء الدنو لَيْسَ سَببا للهلاك، وَالْكسَائِيّ يجوّز هَذَا لِأَنَّهُ يقدر الشَّرْط إيجابياً فِي قُوَّة: إِن دَنَوْت من الْأسد يهلكك، وتحقيقه يعرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (مسلحة لَهُ) أَي: يدْفع عَنهُ الْأَذَى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: المسلحة، بِفَتْح الْمِيم: صَاحب السِّلَاح. قلت: فِيهِ مَا فِيهِ، قَالَ الْجَوْهَرِي: المسلحة قوم ذَوُو سلَاح، والمسلحة كالثغر والمرقب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير المسلحة الْقَوْم الَّذين يحفظون الثغور من الْعَدو، وَسموا مسلحة لأَنهم يكونُونَ ذَوُو سلَاح أَو لأَنهم يسكنون المسلحة وَهِي كالثغر، والمرقب يكون فِيهِ أَقوام يرقبون الْعَدو لِئَلَّا يطرقهم على غَفلَة، فَإِذا رأواه أعلمُوا أَصْحَابهم لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالْجمع مسالح. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) أَي: على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (آمِنين) تَثْنِيَة: آمن، نصب على الْحَال، وَكَذَا قَوْله: (مُطاعَين) تَثْنِيَة: مُطَاع نصب على الْحَال إِمَّا المتداخلة أَو المترادفة. قَوْله: (وحفوا دونهمَا) أَي: أحدقوهما بِالسِّلَاحِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} (الزمر: ٧٥) . أَي: محدقين. قَوْله: (فَأقبل) أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يسير) حَال. أَي: أقبل حَال كَونه سائراً. قَوْله: (فَإِنَّهُ ليحدث أَهله) الضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِذْ سمع) كلمة: إِذْ، للمفاجأة. قَوْله: (وَهُوَ فِي نخل) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يخْتَرف لَهُم) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالفاء أَي: يجتني من الثِّمَار. قَوْله: (فَعجل) أَي: ااستعجل. قَوْله: (لَهُم) أَي: لأَهله. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي النّخل. النّخل والنخيل بِمَعْنى، والواحدة نَخْلَة. قَوْله: (فجَاء وَهِي مَعَه) الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: الثَّمَرَة الَّتِي اجتناها مَعَه، ويروى: وَهُوَ مَعَه، أَي: الَّذِي اجتناه. قَوْله: (أهلنا) ، إِنَّمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهلنا، لقرابة مَا بَينهم من النِّسَاء، لِأَن جدته وَالِدَة عبد الْمطلب وَهِي سلمى بنت عَمْرو (مِنْهُم) أَي من بني مَالك بن النجار، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث الْبَراء: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نزل على أَخْوَاله أَو أجداده من بني النجار. قَوْله: (مقيلاً) أَي: مَكَانا يقيل فِيهِ، والمقيل أَيْضا النّوم نصف النَّهَار. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: القيلولة والمقيل: الاسْتِرَاحَة نصف النَّهَار، كَانَ مَعهَا نوم أَو لَا، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَأحسن مقيلاً} (الْفرْقَان: ٢٤) . وَالْجنَّة لَا نوم فِيهَا. يُقَال: قلت أقيل قائلة وقيلولة وَمَقِيلا، قَالَ الدَّاودِيّ: فَهِيَ لنا مقيلاً، يَعْنِي دَار أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِلَى منزل أبي أَيُّوب جَاءَ عبد الله بن سَلام إِلَيْهِ. قَوْله: (قَالُوا فيَّ) بتَشْديد الْيَاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) أَي: على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن خبأ عبد الله بن سَلام، وَفِي رِوَايَة يحيى بن عبد الله: فَأَدْخلنِي فِي بعض بيوتك ثمَّ سلهم عني فَإِنَّهُم إِن علمُوا بذلك بَهَتُونِي وعابوني. قَالَ: فَأَدْخلنِي بعض بيوته. قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن سَلام) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الله بن سَلام أخرج عَلَيْهِم، إِنَّمَا قَالَ: عَلَيْهِم، دون: لَهُم، لِأَنَّهُ صَار عدوا لَهُم بِإِسْلَامِهِ ومفارقته إيَّاهُم. قَوْله: (فَأخْرجهُمْ) أَي: من عِنْده.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute