للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أكْثَرَ أبُو هُرَيْرَةَ، ولوْلَا آيَتَانِ فِي كِتابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثا، ثُمَّ يَتْلُو: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والهُدَى إلَى قَوْلهِ الرَّحْيمُ} (الْبَقَرَة: ١٥٩ و ١٧٤) إنَّ إخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأَسْوَاقِ، وإنَّ إخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أمْوَالِهِمْ وإنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَلْزِمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ ويَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ..

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويحفظ مَا لَا يحفظون) . وَقَوله: (أَكثر أَبُو هُرَيْرَة) لِأَن الْإِكْثَار لَا يكون إلَاّ عَن حفظ.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا كلهم، وَابْن شهَاب: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، والأعرج: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. وَقَالُوا: يجوز ذكر الرَّاوِي بلقبه أَو صفته الَّتِي يكرهها إِذا كَانَ المُرَاد تَعْرِيفه لَا نَقصه، كَمَا يجوز جرحهم للْحَاجة.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: وَمِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُزَارعَة عَن إِبْرَاهِيم، وَفِي الِاعْتِصَام عَن عَليّ عَن سُفْيَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة وَأبي بكر وَزُهَيْر عَن سُفْيَان، وَعَن عبد الله بن جَعْفَر عَن يحيى عَن مَالك، وَعَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، كلهم عَن الزُّهْرِيّ وَله طرق من غير رِوَايَة الْأَعْرَج. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن أبي مَرْوَان العثماني عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بِهِ مُخْتَصرا.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: (إِن النَّاس) مقول: قَالَ. وَقَوله: (يَقُولُونَ) جملَة فِي مَحل الرّفْع خبر: إِن، قَوْله: (أَكثر أَبُو هُرَيْرَة) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل مقول يَقُولُونَ. قَوْله: (وَلَوْلَا آيتان) مقول. قَالَ، لَا مقول: يَقُولُونَ. وَحذف اللَّام من جَوَاب لَوْلَا وَهُوَ جَائِز، وَالْأَصْل: لَوْلَا آيتان موجودتان فِي كتاب الله لما حدثت. قَوْله: (حَدِيثا) نصب على المفعولية. قَوْله: (ثمَّ يَتْلُو) مقول: الْأَعْرَج، وَفِي بعض النّسخ: (ثمَّ تَلا) . قَوْله: (إِن إِخْوَاننَا) اسْتِئْنَاف كالتعليل للإكثار، كأنّ سَائِلًا سَأَلَ: لم كَانَ أَبُو هُرَيْرَة مكثرا دون غَيره من الصَّحَابَة؟ فَأجَاب بقوله: (لِأَن إِخْوَاننَا) كَذَا وَكَذَا، فلأجل ذَلِك ترك العاطف بَين الجملتين. قَوْله: (من الْمُهَاجِرين) كلمة: من، بَيَانِيَّة. قَوْله: (كَانَ يشغلهم الصفق) جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: إِن. وَقَوله: (يشغلهم) من بَاب: شغل يشغل كفتح يفتح بِفَتْح، عين الْفِعْل فيهمَا من الشّغل، وَيُقَال بِضَم حرف المضارعة من الإشغال، وَهُوَ غَرِيب. وَفِي (الْعباب) يُقَال شغلته أشغله. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: لَا يُقَال أشغلته. وَقَالَ ابْن فَارس: لَا يكادون يَقُولُونَ: أشغلت، وَهُوَ جَائِز. وَقَالَ اللَّيْث: اشتغلت أَنا، وَالْفِعْل اللَّازِم: اشْتغل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَابْن دُرَيْد: لَا يُقَال: اشْتغل. وَقَالَ ابْن فَارس فِي (المقاييس) : جَاءَ عَنْهُم: اشْتغل فلَان بالشَّيْء وَهُوَ مشتغل. وَقَوله: (الصفق) بِالرَّفْع فَاعل: يشغل، وَهُوَ بِفَتْح الصَّاد كِنَايَة عَن التبايع. يُقَال: صفقت لَهُ بِالْبيعِ صفقا، أَي: ضربت يَدي على يَده للْعقد. قَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال: أصفق الْقَوْم على الْأَمر، وصفقوا بِالْبيعِ والبيعة. وَقَالَ غَيره: أَصله من تصفيق الْأَيْدِي بَعْضهَا على بعض من المتابعين، أَي: عاقدي الْبيعَة عِنْد عقدهم، والسوق يؤنث وَيذكر، سميت بِهِ لقِيَام النَّاس فِيهَا على سوقهم. قَوْله: (بشبع بَطْنه) بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: (لشبع بَطْنه) بِاللَّامِ، وَهُوَ الثَّابِت فِي غير البُخَارِيّ أَيْضا، وَكِلَاهُمَا للتَّعْلِيل، أَي: لأجل شبع بَطْنه، وَرُوِيَ: ليشبع بَطْنه، بلام كي، ويشبع، يصيغة الْمُضَارع الْمَنْصُوب، والشبع، بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة. وَفِي (الْعباب) : الشِّبَع مِثَال عِنَب، والشبع بِالْفَتْح، وَهَذِه عَن ابْن عباد، نقيض الْجُوع. يُقَال: شبعت خبْزًا وَلَحْمًا، وَمن خبز وَلحم شبعاً، وَهُوَ من مصَادر الطبائع. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الشِّبَع والشبع بِإِسْكَان الْبَاء وتحريكها. وَقَالَ غَيره: الشِّبَع بالإسكان اسْم مَا أشبعك من شَيْء. وَفِي الحَدِيث: (آجر مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه من شُعَيْب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشبع بَطْنه وعفة فرجه) . قَوْله: (مَا لَا يحْضرُون) ، فِي مَحل النصب على أَنه مفعول: (يحضر) وَكَذَلِكَ قَوْله (مَا لَا يحفظون) مفعول (يحفظ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>