وَغَيره: قلت: مثل هَذِه الْكَلِمَة يجوز فِيهِ أَرْبَعَة أوجه من حَيْثُ قَوَاعِد الصرفيين: الأول: ضم الْمِيم تبعا للضاد. وَالثَّانِي: فتحهَا لِأَن الفتحة أخف الحركات. وَالثَّالِث: كسرهَا لِأَن السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ. وَالرَّابِع: فك الْإِدْغَام، أَعنِي: أضمم. وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز ضمهَا. وَقيل: يتَعَيَّن لأجل ضمة الْهَاء. قلت: دَعْوَى التَّعْيِين غير صَحِيحَة، وَلَا كَون الضمة لأجل الْهَاء، وَإِنَّمَا هُوَ لأجل ضمة الضَّاد، كَمَا ذكرنَا. وَقَالَ: وَيجوز كسرهَا لَكِن مَعَ إسكان الْهَاء. قلت: إِن أَرَادَ بالإسكان فِي حَالَة الْوَقْف فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ مُطلقًا فَمَمْنُوع، فَافْهَم، فَإِن مثل هَذَا لَا يحققه إلَاّ من أمعن فِي النّظر فِي الْعُلُوم الآلية. قَوْله: (بعد) بِضَم الدَّال لِأَنَّهُ قطع من الْإِضَافَة فيبنى على الضَّم، وَفِي بعض النّسخ: (بعده) ، أَي بعد هَذَا الضَّم.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: معْجزَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، حَيْثُ رفع من أبي هُرَيْرَة النسْيَان الَّذِي هُوَ من لَوَازِم الْإِنْسَان حَتَّى قيل: إِنَّه مُشْتَقّ مِنْهُ، وَحُصُول هَذَا من بسط الرِّدَاء وضمه أَيْضا معْجزَة، حَيْثُ جعل الْحِفْظ كالشيء الَّذِي يغْرف مِنْهُ، فَأخذ غرفَة مِنْهُ ورماها فِي رِدَائه، وَمثل بذلك فِي عَالم الْحس.
حدّثنا إبراهيمُ بنُ المُنْذِرِ قالَ: حدّثنا ابنُ أبي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَو قالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيه.
سَاق البُخَارِيّ الحَدِيث الْمَذْكُور بِهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، فَقَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر، حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله! إِنِّي سَمِعت مِنْك حَدِيثا كثيرا فأنساه. قَالَ: ابْسُطْ رداءك، فبسطت، فغرف بِيَدِهِ فِيهِ، ثمَّ قَالَ: ضمه، فضممته فَمَا نسيت حَدِيثا بعد) .
وَالِاخْتِلَاف بَين الْحَدِيثين فِي بعض الْأَلْفَاظ. فَفِي الأول: (إِنِّي أسمع مِنْك) ، وَفِي هَذَا: (سَمِعت مِنْك) . وَهُنَاكَ: (انساه) ، وَهَهُنَا: (فأنساه) ، بِالْفَاءِ. وَهُنَاكَ: (فبسطته) ، وَهنا: (فبسطت) بِدُونِ ضمير الْمَفْعُول. وَهُنَاكَ: (فغرف بيدَيْهِ) ، وَهَهُنَا: (بِيَدِهِ) ، وَهُنَاكَ: (فَمَا نسيت شَيْئا) ، وَهنا: (فَمَا نسيت حَدِيثا) . وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي حَدِيث الْبَاب: (فغرف) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده: يحذف. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) فِي بَاب حفظ الْعلم، فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي قَوْله: (ابْسُطْ رداءك) قَول ابْن أبي فديك. وَقَالَ: يحذف فِيهِ، أَي: كَأَنَّهُ يَرْمِي بِيَدِهِ فِي رِدَاء أبي هُرَيْرَة شَيْئا لما كَانَ قبل ذَلِك، فغرف بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: ضمه. انْتهى كَلَامه. وَادّعى بَعضهم أَن هَذَا تَصْحِيف، وَلم يُقِم عَلَيْهِ برهانا، غير أَنه قَالَ: لما وضح من سِيَاقه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَقد رَوَاهُ ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) عَن ابْن أبي فديك، فَقَالَ: فغرف، وَهَذَا لَيْسَ يقوم بِهِ دَلِيل على مَا لَا يخفى، وَلَو كَانَ تصحيفا لنبه عَلَيْهِ صَاحب (الْمطَالع)
وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر مر فِي أول كتاب الْعلم، وَابْن أبي فديك هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك الْمدنِي، وَأَبُو فديك، بِضَم الْفَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة اسْمه: دِينَار، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ.
قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث. قَوْله: (قَالَ) أَي ابْن أبي فديك يحذف بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، من الْحَذف بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة وبالفاء. وَفِي (الْعباب) فِي فصل الْحَاء الْمُهْملَة: حذفته بالعصا أَي: رميته. وَهُوَ بَين كل حاذف وقاذف: فالحاذف بالعصا، والقاذف بِالْحجرِ. وَقَالَ اللَّيْث: الْحَذف الرَّمْي عَن جَانب وَالضَّرْب عَن جَانب. وَقَالَ فِي فصل الْخَاء الْمُعْجَمَة. الْخذف، رميك بحصاة أَو نواة أَو نَحْوهمَا تَأْخُذهُ بَين سبابتيك تخذف بِهِ. قلت: وَمن هَذَا قَالَ بَعضهم: الْحَذف، بِالْمُهْمَلَةِ بالعصا، والخذف بِالْمُعْجَمَةِ بالحصى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد وجد فِي بعض النّسخ هَهُنَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر ... الخ، ثمَّ قَالَ: وَالظَّاهِر أَن ابْن أبي فديك يرويهِ أَيْضا عَن ابْن أبي ذِئْب، فيتفق مَعَه إِلَى آخر الْإِسْنَاد الأول مَعَ احْتِمَال رِوَايَته عَن غَيره. قلت: هَذَا غَفلَة مِنْهُ، وَلَو اطلع على مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة لما تردد هَهُنَا، ولجزم بِرِوَايَة ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب.
١٢٠ - حدّثنا إسْماعيلُ قالَ: حدّثني أخِي عَن ابنِ أبي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: حَفظْتُ مِنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاءَيْنِ، فَأمَّا أحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وأمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا كلهم، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَخُوهُ عبد الحميد