للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن أبي أويس الأصبحي الْمدنِي الْقرشِي، أَبُو بكر الْأَعْمَش. مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ. وَابْن أبي ذِئْب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَقد مر عَن قريب.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مدنيون، وَهَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن الْجَمَاعَة.

بَيَان اللُّغَات: قَوْله: (وعاءين) تَثْنِيَة وعَاء، بِكَسْر الْوَاو وبالمد، وَهُوَ الظّرْف الَّذِي يحفظ فِيهِ الشَّيْء، وَيجمع على: أوعية، وَيُؤْخَذ مِنْهُ الْفِعْل. يُقَال: أوعيت الزَّاد وَالْمَتَاع إِذا جعلته فِي الْوِعَاء، قَالَ عبيد بن الأبرص:

(الْخَيْر يبْقى وَلَو طَال الزَّمَان بِهِ ... وَالشَّر أَخبث مَا أوعيت من زَاد)

قَوْله: (فبثثته) أَي: نشرته، يُقَال: بَث الْخَيْر: وأبثه بِمَعْنى. قَالَ ذُو الرمة:

(غيلَان وأسقيه حَتَّى كَاد مِمَّا أبثه)

وبثثت الْغُبَار: إِذا هيجته، وبثثت الْخَبَر: شدد للْمُبَالَغَة، وبثثت الْخَبَر: كشفته ونشرته، والتركيب يدل على تَفْرِيق الشَّيْء وإظهاره.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: (حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: (حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهِي أصرح لتلقيه من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِلَا وَاسِطَة. قَوْله: (وعاءين) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: حفظت. قَوْله: (فَأَما أَحدهمَا) كلمة: أما، هِيَ التفصيلية وَقَوله (فبثثته) جَوَاب: أما، وَإِنَّمَا دخلت عَلَيْهِ الْفَاء لتضمنها معنى الشَّرْط. وَقَوله: (وَأما الآخر) . أَي: وَأما الْوِعَاء الآخر، وَجَوَابه قَوْله: (فَلَو بثثته) ، وَقَوله: (لقطع هَذَا البلعوم) جَوَاب: لَو، ويروى قطع بِدُونِ اللَّام، و: (البلعوم) مَرْفُوع بِإِسْنَاد قطع، إِلَيْهِ وَهُوَ مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.

بَيَان الْمَعْنى: فِيهِ ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال، وَهُوَ ذكر الْوِعَاء، وَإِرَادَة مَا يحل فِيهِ. وَالْحَاصِل أَنه أَرَادَ بِهِ نَوْعَيْنِ من الْعلم، وَأَرَادَ بِالْأولِ: الَّذِي حفظه من السّنَن المذاعة لَو كتبت لاحتمل أَن يمْلَأ مِنْهَا وعَاء. وَبِالثَّانِي: مَا كتمه من أَخْبَار الْفِتَن، كَذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: المُرَاد من الْوِعَاء الثَّانِي أَحَادِيث أَشْرَاط السَّاعَة، وَمَا عرف بِهِ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من فَسَاد الدّين على أَيدي أغيلمة سُفَهَاء من قُرَيْش، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: لَو شِئْت أَن أسميهم بِأَسْمَائِهِمْ، فخشي على نَفسه فَلم يُصَرح، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لكل من أَمر بِمَعْرُوف إِذْ خَافَ على نَفسه فِي التَّصْرِيح أَن يعرض، وَلَو كَانَت الْأَحَادِيث الَّتِي لم يحدث بهَا فِي الْحَلَال وَالْحرَام مَا وَسعه كتمها بِحكم الْآيَة. وَيُقَال: حمل الْوِعَاء الثَّانِي الَّذِي لم يُنَبه على الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أسامي أُمَرَاء الْجور وأحوالهم ووذمهم، وَقد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يكني عَن بَعضهم وَلَا يُصَرح بِهِ خوفًا على نَفسه مِنْهُم، كَقَوْلِه: أعوذ بِاللَّه من رَأس السِّتين وإمارة الصّبيان، يُشِير بذلك إِلَى خلَافَة يزِيد بن مُعَاوِيَة لِأَنَّهَا كَانَت سنة سِتِّينَ من الْهِجْرَة، فَاسْتَجَاب الله دُعَاء أبي هُرَيْرَة، فَمَاتَ قبلهَا بِسنة. فَإِن قيل: الْوِعَاء فِي كَلَام الْعَرَب الظّرْف الَّذِي يجمع فِيهِ الشَّيْء، فَهُوَ معَارض لما تقدم مِمَّا قَالَ: إِنِّي لَا أكتب، وَكَانَ أَي عبد الله بن عَمْرو يكْتب. أُجِيب: بِأَن المُرَاد أَن الَّذِي حفظه من النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من السّنَن الَّتِي حدث بهَا وحملت عَنهُ، لَو كتبت لاحتمل أَن يمْلَأ مِنْهَا وعَاء، وَمَا كتمه من أَحَادِيث الْفِتَن الَّتِي لَو حدث بهَا لقطع مِنْهُ البلعوم، يحْتَمل أَن يمْلَأ وعَاء آخر، وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ: وعاءين، وَلم يقل: وعَاء وَاحِدًا لاخْتِلَاف حكم الْمَحْفُوظ فِي الْإِعْلَام بِهِ والستر لَهُ. وَقَالَت المتصوفة: المُرَاد بِالْأولِ: علم الْأَحْكَام والأخلاق. وَبِالثَّانِي: علم الْأَسْرَار، المصون عَن الأغيار، الْمُخْتَص بالعلماء بِاللَّه من أهل الْعرْفَان. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم: الْعلم الْمكنون والسر المصون علمنَا، وَهُوَ نتيجة الْخدمَة وَثَمَرَة الْحِكْمَة، لَا يظفر بهَا إلَاّ الغواصون فِي بحار المجاهدات، وَلَا يسْعد بهَا إلَاّ المصطفون بأنوار المجاهدات والمشاهدات، إِذْ هِيَ أسرار متمكنة فِي الْقُلُوب لَا تظهر إلَاّ بالرياضة وأنوار لامعة فِي الغيوب لَا تنكشف إلَاّ للأنفس المرتاضة. قلت: نعم مَا قَالَ، لَكِن بِشَرْط أَن لَا تَدْفَعهُ الْقَوَاعِد الإسلامية وَلَا تنفيه القوانين الإيمانية إِذْ مَا بعد الْحق إلَاّ الضلال. فَإِن قلت: قد وَقع فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: حفظت ثَلَاثَة أجربة. فبثثت مِنْهَا جرابين، وَهَذَا مُخَالف لحَدِيث الْبَاب؟ قلت: يحمل على أَن الجرابين مِنْهَا كَانَا من نوع وَاحِد وَهُوَ الْأَحْكَام، وَمَا يتَعَلَّق بظواهر الشَّرْع، والجراب الآخر الْأَحَادِيث الَّتِي لَو نشرها لقطع بلعومه، وَلَا شكّ أَن النَّوْع الأول كَانَ أَكثر من النَّوْع الثَّانِي، فَلذَلِك عبر عَنهُ بالجرابين، وَالنَّوْع الثَّانِي بجراب وَاحِد فَبِهَذَا حصل التَّوْفِيق بَين الْحَدِيثين. وَلَقَد أبعد بَعضهم فِي قَوْله: يحمل على أَن أحد الوعاءين كَانَ أكبر من الآخر بِحَيْثُ يَجِيء مَا فِي الْكَبِير فِي جرابين، وَمَا فِي الصَّغِير فِي وَاحِد. قَوْله: (فبثثته) زَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: (فِي النَّاس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>