للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نفس) الْبَاء، فِيهِ للمقابلة. قَوْله: (أَن يُضَيِّفُوهُمَا) أَي: من أَن يُضَيِّفُوهُمَا، و: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: من تضييفهما. قَوْله: (يُرِيد أَن ينْقض) أَي: يُرِيد الانقضاض أَي الْإِسْرَاع بالسقوط. وَأَن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (قَالَ الْخضر بِيَدِهِ) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَمَعْنَاهُ: أَشَارَ بِيَدِهِ فأقامه. قَوْله: (يرحم الله مُوسَى) إِخْبَار، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ الْإِنْشَاء لِأَنَّهُ دُعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ. قَوْله: (لَوَدِدْنَا) اللَّام فِيهِ جَوَاب قسم مَحْذُوف، وَكلمَة: لَو، هَهُنَا بِمَعْنى: أَن الناصبة للْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى: {ودوا لَو تدهن فيدهنون} (الْقَلَم: ٩) وَالتَّقْدِير: وَالله لَوَدِدْنَا صَبر مُوسَى، أَي: لِأَنَّهُ لَو صَبر لَأبْصر أعجب الْأَعَاجِيب، وَهَكَذَا حكم كل فعل وَقع مصدرا بلو بعد فعل الْمَوَدَّة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {ودوا لَو تدهن} (الْقَلَم: ٩) ودوا ادهانك. قَوْله: (حَتَّى يقص) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (من أَمرهمَا) مفعول مَا لم يسمَّ فَاعله.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: (يزْعم أَن مُوسَى لَيْسَ مُوسَى بني إِسْرَائِيل) ، يَعْنِي: يزْعم نوف أَن مُوسَى صَاحب الْخضر، عَلَيْهِمَا السَّلَام، الَّذِي قصّ الله تَعَالَى علينا فِي سُورَة الْكَهْف لَيْسَ مُوسَى بن عمرَان الَّذِي أرسل إِلَى فِرْعَوْن، وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بن مِيشَا، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بالشين الْمُعْجَمَة، وميشا بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم السَّلَام، وَهُوَ أول مُوسَى، وَهُوَ أَيْضا نَبِي مُرْسل. وَزعم أهل التَّوْرَاة أَنه هُوَ صَاحب الْخضر، وَالَّذِي ثَبت فِي الصَّحِيح أَنه مُوسَى بن عمرَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والسائل هَا هُنَا هُوَ سعيد بن جُبَير، والمجيب ابْن عَبَّاس، وَفِيمَا تقدم أَن ابْن عَبَّاس تمارى هُوَ وَالْحر بن قيس فِي صَاحب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لقِيه، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ خضر، فَمر بهما أبي بن كَعْب، رَضِي الله عَنهُ، فَسَأَلَهُ ابْن عَبَّاس فَأخْبرهُ، فَيحْتَمل أَن يكون سعيد بن جُبَير سَأَلَ ابْن عَبَّاس بعد الْوَقْعَة الأولى الْمُتَقَدّمَة لِابْنِ عَبَّاس وَالْحر، فَأخْبرهُ ابْن عَبَّاس لما سَأَلَهُ عَن قَول نوف أَن مُوسَى لَيْسَ مُوسَى بني إِسْرَائِيل، وَجَاء أَن السَّائِل غير سعيد بن جُبَير. رُوِيَ عَن سعيد أَنه قَالَ: جَلَست عِنْد ابْن عَبَّاس وَعِنْده قوم من أهل الْكتاب، فَقَالَ بَعضهم: يَا أَبَا عبد الله إِن نَوْفًا ابْن امْرَأَة كَعْب يزْعم عَن كَعْب أَن مُوسَى النَّبِي الَّذِي طلب الْخضر إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بن مِيشَا؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كذب نوف، وحَدثني أبي ... وَذكر الحَدِيث. قَوْله: (كذب عَدو الله) ، هَكَذَا وَقع من ابْن عَبَّاس على طَرِيق الإغلاظ على الْقَائِل، بِخِلَاف قَوْله، وألفاظ الْغَضَب تَجِيء على غير الْحَقِيقَة فِي الْغَالِب، وَابْن عَبَّاس قَالَه على وَجه الزّجر عَن مثل هَذَا القَوْل، لِأَنَّهُ يعْتَقد أَنه عَدو لله ولدينه حَقِيقَة، إِنَّمَا قَالَه مُبَالغَة فِي إِنْكَاره، وَكَانَ ذَلِك فِي حَال غضب ابْن عَبَّاس لشدَّة الْإِنْكَار، وَحَال الْغَضَب تطلق الْأَلْفَاظ وَلَا يُرَاد بهَا حقائقها. وَقَالَ ابْن التِّين: لم يرد ابْن عَبَّاس إِخْرَاج نوف عَن ولَايَة الله، وَلَكِن قُلُوب الْعلمَاء تنفر إِذا سَمِعت غير الْحق، فيطلقون أَمْثَال هَذَا الْكَلَام لقصد الزّجر والتحذير مِنْهُ وَحَقِيقَته غير مُرَادة. قَوْله: (فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ قَالَ: أَنا أعلم) وَفِيمَا تقدم: هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك؟ قَالَ: لَا. وَفِي مُسلم: مَا أعلم فِي الأَرْض رجلا خيرا مني وَأعلم، من غير تقدم ذكر سُؤال، فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي أعلم بِالْخَيرِ عِنْد من هُوَ. إِن فِي الأَرْض رجلا هُوَ أعلم مِنْك. وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: الله أعلم، إِذا قيل لَهُ: أَي النَّاس أعلم؟ لِأَنَّهُ لم يحط علما بِكُل عَالم فِي الدُّنْيَا. وَقد قَالَت الْمَلَائِكَة: {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إلَاّ مَا علمتنا} (الْبَقَرَة: ٣٢) وَسُئِلَ النَّبِي عَن الرّوح وَغَيره، فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل الله تَعَالَى. وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء، ردا على ابْن بطال فِي حصر الصَّوَاب فِي ترك الْجَواب بقوله: الله أعلم: بل الْجَواب أَن رد الْعلم إِلَى الله، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مُتَعَيّن أجَاب أم لَا، فَإِن أجَاب قَالَ: أَنا وَالله أعلم، فَإِن لم يجب قَالَ: الله أعلم، وَبِهَذَا تأدب الْمفْتُون عقب أجوبتهم: وَالله أعلم. وَلَعَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَو قَالَ: أَنا وَالله أعلم، أَي: هَذَا لَكَانَ جَوَابا، وَإِنَّمَا وَقعت الْمُؤَاخَذَة على الِاقْتِصَار على قَوْله: (أَنا أعلم) . وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي الْجَواب: أما على رِوَايَة من روى: هَل تعلم؟ فَلَا عتب عَلَيْهِ إِذا أخبر عَمَّا يعلم، وَأما على رِوَايَة: أَي النَّاس أعلم؟ وَقد أخبر الله تَعَالَى أَن الْخضر أعلم مِنْهُ، فمراد مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ أَنا أعلم، أَي: فِيمَا ظهر لي واقتضاه شَاهد الْحَال، وَدلَالَة النُّبُوَّة لِأَن مُوسَى فِي النُّبُوَّة، بِالْمَكَانِ الأرفع، وَالْعلم من أَعلَى الْمَرَاتِب، فقد يعْتَقد أَن يكون أعلم لهَذِهِ الْأُمُور. وَقيل: المُرَاد أَنه أعلم بِمَا تَقْتَضِيه وظائف النُّبُوَّة وَأُمُور الشَّرِيعَة، وَالْخضر أعلم مِنْهُ على الْخُصُوص بِأُمُور أخر غير عَيْنِيَّة، وَكَانَ مُوسَى أعلم على الْعُمُوم وَالْخضر أعلم مِنْهُ على الْخُصُوص. قَوْله: (فعتب الله عَلَيْهِ) أَي: لم يرض قَوْله شرعا، فَإِن العتب بِمَعْنى الْمُؤَاخَذَة وَتغَير النَّفس، وَهُوَ مُسْتَحِيل على الله سُبْحَانَهُ، وَهُوَ من بَاب: ضرب يضْرب. وَيُقَال: أصل العتب الْمُؤَاخَذَة، يُقَال مِنْهُ: عتب عَلَيْهِ، فَإِذا واخذه بذلك وَذكر لَهُ قيل: عاتبه، والتغير والمؤاخذة فِي حق الله تَعَالَى محَال، فيراد بِهِ: لم يرض قَوْله شرعا ودينا. وَرُوِيَ عَن أبي، رَضِي الله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>