عَنهُ، إِنَّه قَالَ: أعجب مُوسَى بِعِلْمِهِ فَعَاتَبَهُ الله بِمَا لَقِي من الْخضر. قَالَ الْعلمَاء: هَذَا من بَاب التَّنْبِيه لمُوسَى والتعليم لمن بعده لِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ غَيره فِي تَزْكِيَة نَفسه وَالْعجب بِحَالِهَا فَيهْلك. قَوْله: (إِن عبدا) أَي الْخضر، (بمجمع الْبَحْرين) أَي: ملتقى بحري فَارس وَالروم مِمَّا يَلِي الْمشرق. وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن أبي بن كَعْب أَنه بأفريقية. وَقيل: طنجة. قَوْله: (حوتا) أَي: سَمَكَة. قيل: حمل سَمَكَة مملوحة، وَقيل: مَا كَانَت إلَاّ شقّ سَمَكَة. قَوْله: (فَإِذا فقدته) أَي: الْحُوت. قَوْله: (فَهُوَ ثمَّ) أَي: العَبْد الأعلم مِنْك. ثمَّ أَي: هُنَاكَ. قَوْله: (حَتَّى كَانَا عِنْد الصَّخْرَة وضعا رؤوسهما فَنَامَا) ، وَفِي طَرِيق للْبُخَارِيّ: وَفِي أصل الصَّخْرَة عين يُقَال لَهَا الْحَيَاة لَا يُصِيب من مَائِهَا شَيْء إِلَّا حييّ، فَأصَاب الْحُوت من مَاء تِلْكَ الْعين فَتحَرك وانسل من المكتل فَدخل الْبَحْر. وَفِي بَعْضهَا: فَقَالَ فتاه: لَا أوقظه، حَتَّى إِذا اسْتَيْقَظَ نسي أَن يُخبرهُ وَأمْسك الله عَن الْحُوت حَتَّى كَانَ أَثَره فِي حجر. وَفِي بَعْضهَا: فَأمْسك الله عَن الْحُوت جرية المَاء فَصَارَ عَلَيْهِ مثل الطاق، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نسي يُوشَع أَن يُخبرهُ، فنسي يُوشَع وَحده وَنسب النسْيَان إِلَيْهِمَا. فَقَالَ تَعَالَى: {نسيا حوتهما} (الْكَهْف: ٦١) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} (الرَّحْمَن: ٢٢) وَإِنَّمَا يخرج من الْملح. وَقيل: نسي مُوسَى أَن يتَقَدَّم إِلَى يُوشَع فِي أَمر الْحُوت، وَنسي يُوشَع أَن يُخبرهُ بذهابه {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سربا} (الْكَهْف: ٦١) صَار عَلَيْهِ المَاء مثل الطاق. قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا: أحيى الله الْحُوت فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سربا وَجَاء فَجعل لَا يلتئم عَلَيْهِ المَاء حَتَّى صَار كالكوة. وَالضَّمِير فِي: اتخذ، يجوز أَن يكون للحوت كَمَا هُوَ الظَّاهِر، وَيجوز أَن يكون لمُوسَى على معنى: فَاتخذ مُوسَى سَبِيل الْحُوت فِي الْبَحْر سربا، أَي: مذهبا ومسلكا، كَمَا يَأْتِي أَنَّهُمَا اتبعا أثر الْحُوت وَقد يبس المَاء فِي مَمَره، فَصَارَ طَرِيقا. لَكِن مَا جَاءَ فِي الحَدِيث يُضعفهُ، وَهُوَ قَوْله: (فَكَانَ للحوت سربا ولموسى عجبا) . قَوْله: (عجبا) قَالَ الزّجاج: يجوز أَن يكون من قَول يُوشَع وَمن قَول مُوسَى، وانْتهى كَلَام يُوشَع عِنْد قَوْله: وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر، ثمَّ قَالَ مُوسَى: عجبت من هَذَا عجبا، فَيحسن على هَذَا الْوَقْف على الْبَحْر، ويبتدىء من: عجبا. وَقَالَ غَيره: يجوز أَن يكون إِخْبَارًا من الله تَعَالَى، أَي: اتخذ مُوسَى طَرِيق الْحُوت فِي الْبَحْر عجبا. قَوْله: (ذَلِك) أَي: فقدان الْحُوت هُوَ الَّذِي كُنَّا نبغيه أَي نطلبه، لِأَنَّهُ عَلامَة وجدان الْمَقْصُود. قَوْله (فارتدا على آثارهما قصصاً) أَي: يقصان قصصا، يَعْنِي: رجعا يقصان آثارهما حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَة. وَفِي مُسلم (فارتدا على آثارهما قصصا) . (فَأرَاهُ مَكَان الْحُوت فَقَالَ: هَهُنَا وصف لي) ، ويروى: أَن مُوسَى ويوشع اتبعا أثر الْحُوت وَقد يبس المَاء فِي مَمَره فَصَارَ طَرِيقا، فَأتيَا جَزِيرَة فوجدا الْخضر قَائِما يصلى على طنفسة خضراء على كبد الْبَحْر، أَي وَسطه. قَوْله: {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} (الْكَهْف: ٧٢) أَي سترى شَيْئا ظَاهره مُنكر فَلَا تصبر عَلَيْهِ. قَوْله: (مَا نقص علمي وعلمك) هَذَا الْبَاب من النَّقْص مُتَعَدٍّ، وَمن النُّقْصَان لَازم، وَهَذَا هُوَ المُرَاد. قَالُوا: لفظ النَّقْص هُنَا لَيْسَ على ظَاهره، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَن علمي وعلمك بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم الله تَعَالَى كنسبة مَا نقر العصفور إِلَى مَاء الْبَحْر، وَهَذَا على التَّقْرِيب إِلَى الأفهام، وإلَاّ فنسبة علمهما أقل. وَقيل: نقص بِمَعْنى أَخذ، لِأَن النَّقْص أَخذ خَاص. قَالَ عِيَاض: يرجع ذَلِك فِي حَقّهمَا. أَي: مَا نقص علمنَا مِمَّا جهلناه من مَعْلُومَات إلَاّ مثل هَذَا فِي التَّقْدِير. وَجَاء فِي البُخَارِيّ: (مَا علمي وعلمك فِي جنب علم الله تَعَالَى إلَاّ كَمَا أَخذ هَذَا العصفور) أَي: فِي جنب مَعْلُوم الله تَعَالَى، وَيُطلق الْعلم وَيُرَاد بِهِ الْمَعْلُوم، من بَاب إِطْلَاق الْمصدر لإِرَادَة الْمَفْعُول، كَمَا قَالُوا: دِرْهَم ضرب الْأَمِير، أَي: مضروبه. وَقيل: إِن، إلَاّ، هَهُنَا بِمَعْنى: وَلَا، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا نقص علمي وعلمك من علم الله وَلَا مَا أَخذ هَذَا العصفور من هَذَا الْبَحْر، لِأَن علم الله لَا ينقص بِحَال. قَوْله: (فَعمد الْخضر إِلَى لوح من أَلْوَاح السَّفِينَة) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قلع لوحين مِمَّا يَلِي المَاء. وَفِي البُخَارِيّ: فوتد فِيهَا وتدا، وَفِيه: فَعمد إِلَى قدوم فخرق بِهِ. وَيُقَال: أَخذ فأسا فخرق لوحا حَتَّى دخل المَاء فحشاها مُوسَى بِثَوْبِهِ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما خرق الْخضر السَّفِينَة فنحى مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِنَاحِيَة، ثمَّ قَالَ فِي نَفسه: مَا كنت أصنع بمصاحبة هَذَا الرجل؟ كنت أتلو فِي بني إِسْرَائِيل كتاب الله غدْوَة وَعَشِيَّة، وَآمرهُمْ فيطيعوني. فَقَالَ لَهُ الْخضر: يَا مُوسَى! أَتُرِيدُ أَن أخْبرك بِمَا حدثت بِهِ نَفسك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: قلت كَذَا وَكَذَا. قَالَ: صدقت، ثمَّ انْطَلقَا يمشيان فَإِذا غُلَام يلْعَب مَعَ الغلمان، وَكَانُوا عشرَة وَهُوَ أطرفهم وأوضؤهم، قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ غُلَاما لم يبلغ الْحِنْث، وَقَالَ الضَّحَّاك: كَانَ غُلَاما يعمد بِالْفَسَادِ ويتأذى مِنْهُ أَبَوَاهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ الْغُلَام يسرق الْمَتَاع بِاللَّيْلِ، فَإِذا أصبح لَجأ إِلَى أَبَوَيْهِ فيحلفان دونه شَفَقَة عَلَيْهِ، ويقولان: لقد بَات عندنَا. وَاخْتلفُوا فِي اسْمه، فَقَالَ الضَّحَّاك: جيسون. وَقَالَ شُعْبَة: جيسور، وَقَالَ ابْن وهب: كَانَ اسْم أَبِيه ملاس، وَاسم أمه رحمى، فَأَخذه الْخضر بِرَأْسِهِ من أَعْلَاهُ فاقتلعه، كَذَا فِي البُخَارِيّ. وَجَاء فِيهِ فِي بَدْء الْخلق:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute