هَذَا الحَدِيث الثَّالِث من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة الَّتِي أخرجهَا عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَذْكُور، وَهُوَ يرويهِ عَن يحيى بن معِين، بِضَم الْمِيم، ابْن عون أبي زَكَرِيَّا الْبَغْدَادِيّ عَن حجاج بن مُحَمَّد المصِّيصِي إِلَى آخِره.
قَوْله:(وَكَانَ بَينهمَا) أَي: بَين ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير، وَلَكِن لم يجر ذكرهمَا فَأَعَادَ الضَّمِير إِلَيْهِمَا اختصارا. قَوْله:(شَيْء) يَعْنِي: مِمَّا يصدر بَين المتخاصمين، وَقيل: الَّذِي وَقع بَينه وَبَين ابْن الزبير كَانَ فِي بعض قِرَاءَة الْقُرْآن. قَوْله:(فَغَدَوْت) ، من الغدو وَهُوَ الذّهاب. قَوْله:(فَقلت: أَتُرِيدُ) ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار يُخَاطب بِهِ ابْن أبي مليكَة ابْن عَبَّاس. قَوْله:(فَتحل) ، بِالنّصب من الْإِحْلَال. قَوْله:(حرم الله) بِالنّصب على المفعولية، ويروى:(فَتحل مَا حرم الله) أَي: من الْقِتَال فِي الْحرم. قَوْله:(فَقَالَ: معَاذ الله) أَي: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: العوذ بِاللَّه على إحلال الْحرم. قَوْله:(إِن الله كتب ابْن الزبير) أَي: قدر ابْن الزبير وَبني أُميَّة محلين بِكَسْر اللَّام، أرادتهم كَانُوا محلين يَعْنِي مبيحين الْقِتَال فِي الْحرم، وَكَانَ ابْن الزبير يُسمى الْمحل. قَوْله:(وَإِنِّي وَالله لَا أحله) ، من كَلَام ابْن عَبَّاس، أَي: لَا أحل الْحرم أبدا. وَهَذَا مَذْهَب ابْن عَبَّاس أَنه لَا يُقَاتل فِي الْحرم وَإِن قوتل فِيهِ. قَوْله:(قَالَ: قَالَ النَّاس) ، الْقَائِل هُوَ ابْن عَبَّاس، وناقل ذَلِك عَنهُ هُوَ ابْن أبي مليكَة، وَالْمرَاد بِالنَّاسِ من كَانَ من جِهَة ابْن الزبير. قَوْله:(بَايع) أَمر من الْمُبَايعَة. قَوْله:(فَقلت) ، قَائِله ابْن عَبَّاس. قَوْله:(وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمر عَنهُ) ؟ أَرَادَ بِالْأَمر الْخلَافَة، يَعْنِي: لَيست بعيدَة عَنهُ لما لَهُ من الشّرف من قَوْله: أما أَبوهُ إِلَى آخِره، أَي: أما أَبُو عبد الله وَهُوَ الزبير بن الْعَوام فحواري النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى فِي مَنَاقِب الزبير عَن جَابر. قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لكل نَبِي حواريا وَإِن حوارِي الزبير بن الْعَوام) والحواري النَّاصِر الْخَالِص. قَوْله:(يُرِيد الزبير) أَي: يُرِيد ابْن عَبَّاس بقوله: فحواري النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الزبير بن الْعَوام، قَوْله:(وَأمه) أَي: وَأم عبد الله بن الزبير. قَوْله:(فذات النطاق) وَسميت أمه بِذَات النطاق لِأَنَّهَا شقَّتْ نطاقها السفرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسقائه عِنْد الْهِجْرَة. قَوْله:(يُرِيد أَسمَاء) ، يَعْنِي: يُرِيد ابْن عَبَّاس بقوله: ذَات النطاق أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:(وَأما خَالَته) ، أَي خَالَة عبد الله فَهِيَ أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة أُخْت أَسمَاء. قَوْله:(وَأما عمته) فَهِيَ: أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد، وَهِي أُخْت الْعَوام بن خويلد، وَأطلق عَلَيْهَا عمته تجوزا لِأَنَّهَا عمَّة أَبِيه على مَا لَا يخفى. قَوْله:(وَأما عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجدته) أَي: جدة عبد الله بن الزبير. وَهِي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب. قَوْله:(ثمَّ عفيف) أَي: ثمَّ هُوَ يَعْنِي عبد الله عفيف، وانتقل من بَيَان نسبه الشريف إِلَى بَيَان صِفَاته الذاتية الحميدة بِكَلِمَة ثمَّ الَّتِي هِيَ للتعقيب، وَأَرَادَ بالعفة فِي الْإِسْلَام النزاهة عَن الْأَشْيَاء الَّتِي تشين الرجل، والعفة أَيْضا الْكَفّ عَن الْحرم وَالسُّؤَال من النَّاس. قَوْله:(وَالله إِن وصلوني) ، إِلَى آخِره من كَلَام ابْن عَبَّاس أَيْضا فِيهِ عتب على ابْن الزبير وشكر بني أُميَّة، وَأَرَادَ بقوله:(إِن وصلوني) بني أُميَّة من صلَة الرَّحِم. وَفَسرهُ بقوله:(وصلوني من قريب) أَي: من أجل الْقَرَابَة، وَذَلِكَ أَن ابْن عَبَّاس هُوَ عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف، وَأُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف. قَوْله:(وَإِن ربوني) بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة المضمومة من التربية. قَوْله:(ربوني أكفاء) ، من قبيل: أكلوني البراغيث. وَأَصله: ربني أكفاء، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني على الأَصْل، وارتفاع أكفاء بقوله: ربوني أَو رَبِّي، على الرِّوَايَتَيْنِ، والأكفاء جمع كُفْء من الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح، وَهُوَ فِي الأَصْل بِمَعْنى النظير والمساوي. قَوْله:(كرام) ، جمع كريم وَهُوَ الْجَامِع لأنواع الْخَيْر والشرف والفضائل، وروى ابْن مخنف الْأنْصَارِيّ بِإِسْنَادِهِ أَن ابْن عَبَّاس لما حَضرته الْوَفَاة بِالطَّائِف جمع بنيه فَقَالَ: يَا بني إِن ابْن الزبير لما خرج بِمَكَّة شددت أزره ودعوت