قَالَ ابْن عَبَّاس: سُورَة هود مَكِّيَّة غير قَوْله: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} (هود: ١١٤) الْآيَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: عَن ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة مُطلقًا، وَبِه قَالَ الْحسن وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَجَابِر بن زيد وَقَتَادَة، وَعنهُ: هِيَ مَكِّيَّة إلَاّ آيَة وَاحِدَة وَهِي: {فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك} (هود: ١٢) رَوَاهُ عَنهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة، وَقَالَ مقَاتل: مَكِّيَّة إلَاّ آيَتَيْنِ: {أقِم الصَّلَاة} الْآيَة. {وَأُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ} (هود: ١٧) نزلت فِي ابْن سَلام وَأَصْحَابه. وَهِي سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ حرفا. وَألف وَتِسْعمِائَة وَخمْس عشرَة كلمة، وَمِائَة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ آيَة.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلَاّ لأبي ذَر.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَصِيبٌ شَدِيدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَهَذَا يَوْم عصيب} (هود: ٧٧) وَفَسرهُ بقوله: شَدِيد، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: فِي قَوْله: {هَذَا يَوْم عصيب} شَدِيد الْقَائِل بِهَذَا لوط، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة فِي صُورَة غلْمَان جرد بهم منزله وَحسب أَنهم أنَاس، فخاف عَلَيْهِم من قومه وَلم يعلم بذلك أحد فَخرجت امْرَأَته فَأخْبرت بهم قَومهَا. فَقَالَ: {هَذَا يَوْم عصيب} أَي: شَدِيد عليّ وقصته مَشْهُورَة.
لَا جَرَمَ بَلَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون} (هود: ٢٢) وَفَسرهُ بقوله: بل قَالَ بَعضهم: وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: لَا جرم إِن الله يعلم قَالَ: أَي: بلَى أَن الله يعلم. قلت: الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي هَذِه السُّورَة. أَعنِي سُورَة هود. الَّذِي نَقله لَيْسَ فِي سُورَة هود، وَإِنَّمَا هُوَ فِي سُورَة النَّحْل، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر مَا فِي سُورَة هود لِأَنَّهُ فِي صدد تَفْسِير سُورَة هود وَإِن كَانَ الْمَعْنى فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاء، وَالْعم أَن الْفراء قَالَ: لَا جرم، كلمة كَانَت فِي الأَصْل بِمَنْزِلَة لَا بُد وَلَا محَالة، فجرت على ذَلِك وَكَثُرت حَتَّى تحولت إِلَى معنى الْقسم وَصَارَت بِمَنْزِلَة حَقًا، فَلذَلِك يُجَاب عَنهُ بَالَام، كَمَا يُجَاب بهَا عَن الْقسم. أَلا تَرَاهم يَقُولُونَ: لَا جرم لآتينك، وَيُقَال: جرم، فعل عِنْد الْبَصرِيين وَاسم عِنْد الْكُوفِيّين، فَإِذا كَانَ اسْما يكون بِمَعْنى حَقًا وَمعنى الْآيَة. حَقًا إِنَّهُم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون، وعَلى قَول الْبَصرِيين لَا رد لقَوْل الْكفَّار: وجرم مَعْنَاهُ عِنْدهم كسب. أَي: كسب كفرهم الخسارة فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَاقَ نَزَلَ يَحِيقُ يَنْزِلُ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس: معنى حاق فِي قَوْله: {وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} (هود: ٨) نزل بهم وأصابهم. قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَإِنَّمَا ذكر: يَحِيق إِشَارَة إِلَى أَنه من فعل يفعل بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُضَارع.
يؤسٌ فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منَّا رَحْمَة ثمَّ نزعناها مِنْهُ إِنَّه ليؤوس كفور} (هود: ٩) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن وَزنه فعول، من صِيغ الْمُبَالغَة وَأَنه مُشْتَقّ من يئست من الْيَأْس وَهُوَ انقاطع الرَّجَاء، وَفِي قَوْله: من يئست، تساهل لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْيَأْس كَمَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الصرفية.
وَقَالَ مُجاهِدٌ تَبْتَئِسْ تَحْزَنْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مُجَاهدًا فسر قَوْله: تبتئس: تحزن فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَا نبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (هود: ٣٦) وَالْخطاب لنوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوصل هَذَا الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.
يَثْنُونَ صُدُروَهُمْ شَك وَامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ لِيسْتَخْفُوا مِنْهُ مِنَ الله إنْ اسْتَطَاعُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنهم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ} (هود: ٥) الْآيَة. وَهُوَ تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا فَأَنَّهُ قَالَ: يثنون صُدُورهمْ شكا وامتراءا فِي الْحق. قَوْله: (يثنون صُدُورهمْ) من الثني ويعبر بِهِ عَن الشَّك فِي الْحق والإعراض عَنهُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: