للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَاكَهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالفَاكِهَةِ وَأمَّا العَرَبُ فَإنَّها تَعُدُّها فَاكِهَةً كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} (الْبَقَرَة: ٨٣٢) فَأَمَرَهُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أعَادَ العَصْرَ تَشْدِيدا لَهَا كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ وَمِثْلُها {ألَمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ} (الْحَج: ٨١) ثُمَّ قَالَ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أوَّلِ قَوْلِهِ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} (الرَّحْمَن: ٨٦) أَي: فِي الجنتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا بقوله: {وَمن دونهمَا جنتان} (الرحمان: ٢٦) فالجنان أَرْبَعَة ذكرهَا الله تَعَالَى بقوله: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} (الرَّحْمَن: ٦٤) ثمَّ قَالَ: {وَمن دونهمَا جنتان} (الرَّحْمَن: ٦٤) أَي: وَمن دون الجنتين الْأَوليين الموعودتين لمن خَافَ مقَام ربه جنتان أخريان، وَعَن ابْن عَبَّاس. وَمن دونهمَا يَعْنِي: فِي الدرج، وَعَن ابْن زيد، فِي الْفضل. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم) ، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) يَعْنِي: بِهِ أَبَا حنيفَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة. قلت: لَا يلْزم تَخْصِيص هَذَا القَوْل بِأبي حنيفَة وَحده فَإِن جمَاعَة من الْمُفَسّرين ذَهَبُوا إِلَى هَذَا القَوْل. قَالَه الْفراء فَإِنَّهُم قَالُوا: لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل بالفاكهة لِأَن النّخل ثمره فَاكِهَة وَطَعَام، وَالرُّمَّان فَاكِهَة ودواء. فَلم يخلصا اللتفكه، وَمِنْه قَالُوا: إِذا حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأكل رمانا أَو رطبا ثمَّ لم يَحْنَث. قَوْله: (وَأما الْعَرَب فَإِنَّهَا تعدها فَاكِهَة) هَذَا جَوَاب البُخَارِيّ عَمَّا قَالَ بَعضهم: لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل بالفاكهة وَلَهُم أَن يَقُولُوا: نَحن مَا ننكر إِطْلَاق الْفَاكِهَة عَلَيْهِمَا ولكنهما غير متمحضين فِي التفكه، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة لَا يدخلَانِ فِي قَول من حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة. قَوْله: (كَقَوْلِه عز وَجل) إِلَى آخِره، ملخصه أَنه من عطف الْخَاص على الْعَام. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَإِنَّهُ أَمر بالمحافظة على الصَّلَوَات ثمَّ عطف عَلَيْهَا قَوْله: وَالصَّلَاة الْوُسْطَى، مَعَ أَنَّهَا دَاخِلَة فِي الصَّلَوَات تشديدا لَهَا. أَي: تَأْكِيدًا لَهَا وتعظيما وتفضيلاً كَمَا أُعِيد النّخل وَالرُّمَّان أَي: كَمَا عطفا على فَاكِهَة وَلَهُم أَن يَقُولُوا: لَا تسلم أَن فَاكِهَة عَام لِأَنَّهَا نكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم. قَوْله: (وَمثلهَا) ، أَي: وَمثل فَاكِهَة ونخل ورمان. قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات} إِلَى آخِره، وَلَهُم أَن يمنعوا المشابهة بَين هَذِه الْآيَة وَبَين الْآيَتَيْنِ المذكورتين لِأَن الصَّلَوَات، وَمن فِي الأَرْض عامان بِلَا نزاع بِخِلَاف لفظ: فَاكِهَة فَإِنَّهَا نكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَقد ذكرهم) أَي: كثير من النَّاس فِي ضمن من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض.

وَقَالَ غَيْرُهُ أفْنَانٍ أغصانٍ

أَي: قَالَ غير مُجَاهِد: وَإِنَّمَا قُلْنَا كَذَا لِأَنَّهُ لم يذكر فِيمَا قبله صَرِيحًا إلَاّ مُجَاهِد، وَقَالَ: (أفنان أَغْصَان) وَذَلِكَ فِي قَوْله: (ذواتا أفنان) وَهُوَ جمع فنن كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي التَّفْسِير: (ذواتا أفنان) أَي: ألوان فعلى هَذَا هُوَ جمع فن وَهُوَ من قَوْلهم افتن فلَان فِي حَدِيثه إِذا أَخذ فِي فنون مِنْهُ وضروب، وَعَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس: {ذواتا أفنان} (الرَّحْمَن: ٨٤) قَالَ: الأغصان على الْحِيطَان، وَعَن الضَّحَّاك: ألوان الْفَوَاكِه.

{وَجَنى الجَنَتَيْنِ دَانَ} مَا يجتنى قريب (الرَّحْمَن: ٤٥)

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وجنى الجنتين دَان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرَّحْمَن: ٤٥) وَفَسرهُ بقوله: (مَا يجتنى) أَي: الَّذِي يجتنى من أَشجَار الجنتين دَان أَي: قريب يَنَالهُ الْقَائِم والقاعد والمضجع، وَهَذَا سقط من رِوَايَة أبي ذَر.

وَقَالَ الحَسَنُ فَبِأَيِّ آلاءِ نِعَمِهِ. وَقَالَ قَتَادَرُ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَعْنِي الجِنِّ وَالإنْسَ

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَي آلَاء لابكم تُكَذِّبَانِ} فالحسن فسر: آلَاء، بِالنعَم وَقَتَادَة فسر: رَبكُمَا بالجن وَالْإِنْس، والآلاء جمع: إِلَى، بِالْفَتْح وَالْقصر وَقد تكسر الْهمزَة وربكما خطاب للجن وَالْإِنْس وَإِن لم يتَقَدَّم ذكرهم وَإِنَّمَا قَالَ: تُكَذِّبَانِ بالتثنية على عَادَة الْعَرَب وَالْحكمَة فِي تكرارها أَن الله تَعَالَى عدد فِي هَذِه السُّورَة نعماءه ثمَّ اتبع ذكر كل كلمة وصفهَا ونعمة ذكرهَا بِهَذِهِ الْآيَة وَجعلهَا فاصلة بَين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>