وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ {كلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرَّحْمَن: ٩٢) يَغْفِرُ ذَنْبا وَيَكْشِفُ كَرْبا وَيَرْفَعُ قَوْما آخَرِينَ.
أَي: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار. قَالَ: حَدثنَا الْوَزير ابْن صَالح أَبُو روح الدِّمَشْقِي. قَالَ: سَمِعت يُونُس بن ميسرَة جلس يحدث عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء عَن سيدنَا سيد المخلوقين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله عز وَجل: {كل يَوْم فِي شَأْن} قَالَ: من شَأْنه أَن يغْفر ذَنبا ويفرج كربا وَيرْفَع قوما وَيَضَع آخَرين.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَرْزَخٌ: حَاجِزٌ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} (الرَّحْمَن: ٩١، ٠٢) أَي: حاجز بَينهمَا. وَقيل: حَائِل لَا يتَعَدَّى أَحدهمَا على الآخر من قدرَة الله وحكمته الْبَالِغَة.
الأنَامُ الخَلْقُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} (الرَّحْمَن: ٠١) وَعَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ: الْأَنَام. كل ذِي روح، وَقيل: الْإِنْس وَالْجِنّ.
نَضَّاخَتَانِ: فَيَّاضَتَانِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فيهمَا عينان نضاختان} (الرَّحْمَن: ٦٦) وَفَسرهُ بقوله: {فياضتان} وَقيل: ممتلئتان، وَقيل: فوارتان بِالْمَاءِ لَا ينقطعان، وَعَن الْحسن: ينبعان ثمَّ يجريان، وَعَن سعيد بن جُبَير: نضاختان بِالْمَاءِ وألوان الْفَاكِهَة، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ينضخان بِالْخَيرِ وَالْبركَة على أهل الْجنَّة، وأصل النضخ الرش وَهُوَ أكبر من النَّضْح، بِالْحَاء الْمُهْملَة.
ذُو الجَلالِ: ذُو العَظَمَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تبَارك اسْم رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} (الرَّحْمَن: ٨٣) أَي: ذُو العظمة والكبرياء. قَوْله: (وَالْإِكْرَام) ، أَي: ذُو الْكَرم، وَهُوَ الَّذِي يُعْطي من غير مَسْأَلَة وَلَا وَسِيلَة، وَقيل: المتجاوز الَّذِي لَا يستقصى فِي العتاب.
وَقَالَ غَيْرُهُ مَارِجٌ خَالِصٌ مِنَ النَّارِ يُقالُ مَرَجَ الأمِيرُ رَعِيَتَهُ إذَا خَلَاّهُمْ يَعْدُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَرَجَ أمْرُ النَّاسِ مَرِيجٍ ملْتَبِسٌ مَرَجَ اخْتَلَطَ البَحْرَانِ مِنْ مَرَجْتَ دَابَتَكَ تَرَكْتَها.
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَخلق الجان من مارج من نَار} (الرَّحْمَن: ٥١) وَهَذَا مُكَرر لِأَنَّهُ ذكر عَن قريب، وَهُوَ قَوْله: والمارج اللهب الْأَصْفَر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي. قَوْله: (قَالَ مرج الْأَمِير رَعيته) ، إِشَارَة إِلَى أَن لفظ: مرج يسْتَعْمل لمعان، فَمن ذَلِك قَوْلهم: مرج الْأَمِير، وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء رَعيته إِذا خلاهم يَعْنِي إِذا تَركهم يعدو أَي: يظلم بَعضهم بَعْضًا. وَمن ذَلِك: مرج أَمر النَّاس هَذَا بِكَسْر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ اخْتَلَط واضطرب، قَالَ أَبُو دَاوُد مرج أَمر الدّين فاعددت لَهُ. أَي: قد أَمر الدّين وَمن هَذِه الْبَاب مريج فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي أَمر مريج} (ق: ٥) أَي: ملتبس، وَهَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده أَعنِي قَوْله مريج ملتبس. قَوْله: (مرج الْبَحْرين) ، اخْتَلَط البحران هَذَا فِي رِوَايَة غير أبي ذَر. قَوْله: (من مرجت دابتك) ، بِفَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهُ تركتهَا ترعى وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا عقيب قَوْله: مرج الْأَمِير رَعيته إِذا خلاهم يعدو بَعضهم على بَعضهم، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ: وَلَكِن فِي هَذَا الْموضع تَقْدِيم وَتَأْخِير بِحَيْثُ يَقع الالتباس فِي التَّرْكِيب وَالْمعْنَى أَيْضا. وَالظَّاهِر أَن النساخ خلطوا مَفْتُوح الرَّاء بمكسور الرَّاء.
سَنَفْرُغُ لَكُمْ سَنُحاسِبُكُمْ لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} (الرَّحْمَن: ١٣) وَفَسرهُ بقوله: (سنحاسبكم) والفراغ مجَاز عَن الْحساب وَلَا يشغل الله شَيْء عَن شَيْء، وروى ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: هُوَ وَعِيد من الله لِعِبَادِهِ، وَلَيْسَ بِاللَّه شغل، وَقيل: مَعْنَاهُ سنقصدكم بعد الإهمال ونأخذ فِي أَمركُم، وَعَن ابْن كيسَان: الْفَرَاغ للْفِعْل هُوَ التوفر عَلَيْهِ دون غَيره.
وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلامِ العَرَبِ لأتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ يَقُولُ: لآخَذَنَّكَ عَلَى غرَّتِكَ.
أَي: الْمَعْنى الْمَذْكُور مَعْرُوف ومستعمل فِي كَلَام الْعَرَب، يَقُول الْقَائِل: لأتفرغن لَك من بَاب التفعل من الْفَرَاغ، وَفَسرهُ بقوله: