الْوَاو وَالدَّال وبالجيم، وَقَالَ بَعضهم: وَذكره الْأَوْدَاج فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَاّ ودجان بالتثنية وهما عرقان غليظان متقابلان. قلت: لما كَانَ الشَّرْط قطع الْعُرُوق الْأَرْبَعَة: وَهِي الْحُلْقُوم والمريء والودجان أطلق عَلَيْهَا لفظ: الْأَوْدَاج، بطرِيق الْغَلَبَة وَلِهَذَا ورد فِي بعض الحَدِيث: أفر الأودج وأنهر بِمَا شِئْت، حَيْثُ أطلق على الْأَرْبَعَة: الْأَوْدَاج، وأفر، بِالْفَاءِ بِمَعْنى: اقْطَعْ وَقَالَ الصغافي: الودج عرق فِي الْعُنُق وهما ودجان. وَقَالَ اللَّيْث: الودج عرق مُتَّصِل من الرَّأْس إِلَى النَّحْر.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي اشْتِرَاط قطع الْأَوْدَاج كلهَا فعندنا أَن قطع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة حل الْأكل وَإِن قطع أَكْثَرهَا فَكَذَلِك عِنْد أبي حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بُد من قطع الْحُلْقُوم والمريء وَأحد الودجين حَتَّى لَو قطع بعض الْحُلْقُوم أَو المريء لم يحل، هَكَذَا ذكر الْقَدُورِيّ الإختلاف فِي (مُخْتَصره) وَالْمَشْهُور فِي كتب مَشَايِخنَا أَن هَذَا قَول أبي يُوسُف وَحده، وَالْحَاصِل أَن عِنْد أبي حنيفَة: إِذا قطع الثَّلَاث أَي: ثَلَاث كَانَ من الْأَرْبَعَة جَازَ وَعَن أبي يُوسُف ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا: هَذِه. وَالثَّانيَِة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم مَعَ الآخرين. وَالثَّالِثَة: اشْتِرَاط قطع الْحُلْقُوم والمري وَأحد الودجين وَعَن مُحَمَّد: يعْتَبر أَكثر كل فَرد، يَعْنِي: أَكثر كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة، وَفِي (وجيز الشَّافِعِيَّة) يعْتَبر قطع الْحُلْقُوم والمريء دون الآخرين، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَعَن الاصطخري يَكْفِي قطع الْحُلْقُوم أَو المريء وَفِي (الْحِلْية) هَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي وَخلاف الْإِجْمَاع، وَعَن الثَّوْريّ: إِن قطع الودجان أَجْزَأَ وَلَو لم يَقع الْحُلْقُوم والمري، وَعَن مَالك وَاللَّيْث يشْتَرط قطع الودجين والحلقوم فَقَط.
قَوْله قلت: (فيخلف الْأَوْدَاج) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج سَأَلَ عَطاء بقوله: فيخلف الْأَوْدَاج على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: تتْرك الْأَوْدَاج وَلَا يَكْتَفِي بقطعها حَتَّى يقطع النخاع، بِتَثْلِيث النُّون، وَهُوَ خيط أَبيض يكون دَاخل عظم الرَّقَبَة وَيكون ممتدا إِلَى الصلب حَتَّى يبلغ عجب الذَّنب. هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَهَذَا أَخذه من صَاحب (الْمغرب) فَإِنَّهُ فسره هَكَذَا، ورد عَلَيْهِ بعض أَصْحَابنَا بِأَن بدن الْحَيَوَان مركب من عِظَام، وأعصاب وعروق وشرايين وأوتار وَمَا ثمَّة شَيْء يُسمى بالخيط أصلا وَقَالَ الْكَرْخِي فِي (مُخْتَصره) وَيكرهُ إِذا ذَبحهَا أَن يبلغ النخاع وَهُوَ الْعرق الْأَبْيَض الَّذِي يكون فِي عظم الرَّقَبَة. قَوْله: (قَالَ لَا إخال) أَي: قَالَ عَطاء: لَا أَظن وإخال بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وَالْكَسْر أفْصح. قَوْله: (وَأَخْبرنِي نَافِع) هَذَا من كَلَام ابْن جريج أَي: قَالَ ابْن جريج، وَأَخْبرنِي مولى ابْن عمرَان بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نهى عَن النخع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ أَن يَنْتَهِي بِالذبْحِ إِلَى النخاع. وَقَالَ اصحب (الْهِدَايَة) وَمن بلغ بالسكين النخاع أَو قطع الرَّأْس كره لَهُ ذَلِك، وتؤكل ذَبِيحَته وَأما الْكَرَاهَة فَلَمَّا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه نهى أَن تنخع الشَّاة إِذا ذبحت. قلت: هَذَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن فِي (كتاب الصَّيْد) من الأَصْل عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُرْسل، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) حَدثنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحَارِث حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا عبد الحميد بهْرَام عَن شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن الذَّبِيحَة أَن تفرس، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) الْفرس أَن تذبح الشَّاة فتنخع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْفرس النخع، يُقَال: فرست الشَّاة ونخعتها، وَذَلِكَ أَن يَنْتَهِي الذَّابِح إِلَى النخاع. قَوْله: (يَقُول) إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى تَفْسِير النخع وَهُوَ قطع مَا دون الْعظم ثمَّ يدع أَي: ثمَّ يتْرك حَتَّى يَمُوت.
{وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ الله يَأمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة} وَقَالَ: {فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: النَّحْر وَالذّبْح المجروران بِالْإِضَافَة والعطف، تَقْدِيره: بَاب فِي بَيَان النَّحْر وَالذّبْح، وَفِي بَيَان قَول الله عز وَجل: {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} إِلَى آخِره، وَهَذَا من تَمام التَّرْجَمَة وفيهَا إِشْعَار بِأَن الْبَقَرَة لَهَا اخْتِصَاص بِالذبْحِ قَوْله: (إِذا قَالَ) أَي: اذكر يَا مُحَمَّد حِين (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِن الله يَأْمُركُمْ) . وَقَالَ أَبُو عبد الله. وَكَانَ نزُول قصَّة الْبَقَرَة على مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي أَمر الْقَتِيل قبل نزُول الْقسَامَة فِي الْقَتِيل، وقصته مَشْهُورَة. قَوْله: (وَقَالَ فذبحوها) أَي: الْبَقَرَة الَّتِي جاؤوا بهَا على الْوَصْف الْمَذْكُور الَّذِي وَصفه الله تَعَالَى. قَوْله: {وَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} لِكَثْرَة ثمنهَا. وَقيل: خوف الفضيحة إِن اطلع الله على قَاتل النَّفس الَّذِي اخْتَصَمُوا فِيهِ.
{وَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ الذَّكاةُ فِي الحَلْقِ وَاللَّبَّةِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute