للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد الله بن أبي السّفر ضد الْحَضَر واسْمه سعيد مُحَمَّد الْهَمدَانِي الْكُوفِي يروي عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا وَمر الْكَلَام فِي: بَاب الْخمر من الْعِنَب، فِي حَدِيث عمر مثل هَذَا، لَكِن هُنَاكَ الْعِنَب أحد الْخَمْسَة، وَهنا الزَّبِيب، وَقد قُلْنَا غير مرّة: إِن التَّنْصِيص على عدد معِين لَا يُنَافِي مَا عداهُ، وَإِن إِطْلَاق الْخمر على غير مَاء الْعِنَب المشتد لَيْسَ بطرِيق الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ من: بَاب التَّشْبِيه، وَقَالَ بَعضهم: وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) من الْحَنَفِيَّة: الْخمر عندنَا مَا اعتصر من مَاء الْعِنَب إِذا اشْتَدَّ وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة وَأهل الْعلم. قَالَ: وَقيل: هُوَ اسْم لكل مُسكر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مُسكر خمر، وَقَوله: (الْخمر من هَاتين الشجرتين) وَلِأَنَّهُ من مخامرة الْعقل وَذَلِكَ مَوْجُود فِي كل مُسكر، وَلنَا: إطباق أهل اللُّغَة على تَخْصِيص الْخمر بالعنب، وَلِهَذَا اشْتهر اسْتِعْمَالهَا فِيهِ، وَلِأَن تَحْرِيم الْخمر قَطْعِيّ وَتَحْرِيم مَا عدا الْمُتَّخذ من الْعِنَب ظَنِّي، قَالَ: وَإِنَّمَا سمي الْخمر خمرًا لتخمره لَا لمخامرة الْعقل. قَالَ: وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَون الِاسْم خَاصّا بِهِ، كَمَا فِي النَّجْم فَإِنَّهُ مُشْتَقّ من الظُّهُور ثمَّ هُوَ خَاص بِالثُّرَيَّا. انْتهى. ثمَّ قَالَ: هَذَا الْقَائِل: وَالْجَوَاب عَن الْحجَّة الأولى وَأطَال الْكَلَام بِهِ كَمَا نذكرهُ ونرد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَعَن الثَّانِيَة وَعَن الثَّالِثَة كَذَلِك نذكرهما ونرد عَلَيْهِ. قلت: أما أَولا فَذكر صَاحب (الْهِدَايَة) عشرَة أوجه فِي ثُبُوت مَا ادَّعَاهُ من إِطْلَاق اسْم الْخمر على عصير الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة. وَأهل الْعلم وَبَين وَجه كل وَجه من الْعشْرَة، وَهَذَا الْقَائِل الْمُعْتَرض اعْترض على ثَلَاثَة أوجه مِنْهَا وَسكت عَن الْبَاقِي لعدم الْإِدْرَاك الْكَامِل والفهم النَّاقِص. بَيَان الْوَجْه الأول: من ذَلِك هُوَ قَوْله: وَالْجَوَاب عَن الْحجَّة الأولى ثُبُوت النَّقْل عَن بعض أهل اللُّغَة بِأَن غير الْمُتَّخذ من الْعِنَب يُسمى خمرًا، وَقَالَ الْخطابِيّ: زعم قوم أَن الْعَرَب لَا تعرف الْخمر إلَاّ من الْعِنَب، فَيُقَال لَهُم: إِن الصَّحَابَة الَّذين سموا غير الْمُتَّخذ من الْعِنَب خمرًا عرب فصحاء، فَلَو لم يكن هَذَا الِاسْم صَحِيحا لما أَطْلقُوهُ. انْتهى قلت: سُبْحَانَ الله! كَيفَ يكون هَذَا الْكَلَام جَوَابا عَن الْحجَّة الأولى وَبَيَان بُطْلَانه من وُجُوه.

الأول: قَوْله ثُبُوت النَّقْل عَن بعض أهل اللُّغَة إِلَى آخِره، دَعْوَى مُجَرّدَة، فَمن هُوَ ذَلِك الْبَعْض من أهل اللُّغَة؟ بل الْمَنْقُول من أهل اللُّغَة أَن الْخمر من الْعِنَب والمتخذ من غَيره لَا يُسمى خمرًا إلَاّ مجَازًا، وَقد نفى أَبُو الْأسود الدؤَلِي الَّذِي هُوَ من أَعْيَان أهل اللُّغَة اسْم الْخمر عَن الطلاء، بقوله.

(دع الْخمر يشْربهَا الغواة فإنني ... رَأَيْت أخاها مغنياً لمكانها)

وَجعل الطلاء أَخا للخمر، وأخو الشَّيْء غَيره والطلاء كل مَا خثر من الْأَشْرِبَة وَهُوَ المثلث، وَيُقَال: الْمنصف، وكل ذَلِك بالطبخ من أَي عصير كَانَ. الثَّانِي: اسْتدلَّ بقول الْخطابِيّ، وَهُوَ لَيْسَ من أهل اللُّغَة، وَإِنَّمَا هُوَ ناقل. وَالثَّالِث: هُوَ أَن قَوْله: إِن الصَّحَابَة الَّذين سموا إِلَى آخِره، لَا يُنكره أحد وَلَا يُنكر أحد أَيْضا كَونهم فصحاء وأعيان أهل اللُّغَة، وَلَكِن مَا أطْلقُوا على الْعصير من غير الْعِنَب خمرًا بطرِيق الْوَضع اللّغَوِيّ بل بطرِيق التَّسْمِيَة وَالتَّسْمِيَة غير الْوَضع بِلَا خلاف، وَوجه تسميتهم من بَاب التَّشْبِيه وَالْمجَاز، وَمن جملَة مَا قَالَ فِي الْجَواب عَن الْحجَّة الأولى: وَقَالَ أهل الْمَدِينَة وَسَائِر الْحِجَازِيِّينَ وَأهل الحَدِيث كلهم: كل مُسكر خمر، فَنَقُول نَحن: لَا ننازع فِي هَذَا لِأَن مَعْنَاهُ: كل شراب أسكر فَحكمه حكم الْخمر فِي الْحُرْمَة وَبَقِيَّة الْأَحْكَام، فَلَا يدل هَذَا على إِطْلَاق الْخمر على الْمُتَّخذ من غير الْعِنَب خمرًا على الْحَقِيقَة، بل بطرِيق التَّشْبِيه والتشبيه لَا عُمُوم لَهُ، وَقَالَ أَيْضا: وَمن الْحجَّة لَهُم أَن الْقُرْآن لما نزل بِتَحْرِيم الْخمر فهم الصَّحَابَة، وهم أهل اللِّسَان، أَن كل شَيْء يُسمى خمرًا يدْخل فِي النَّهْي، فأراقوا الْمُتَّخذ من التَّمْر وَالرّطب وَلم يخصوا ذَلِك بالمتخذ من الْعِنَب انْتهى. قُلْنَا: إِنَّمَا أراقوا الْمُتَّخذ من التَّمْر وَالرّطب لِأَنَّهُ كَانَ مُسكرا حينئذٍ، فأطلقوا عَلَيْهِ الْخمر من جِهَة إسكاره. وَالدَّلِيل على أَنه كَانَ مُسكرا حِين بَلغهُمْ الْخَبَر بِتَحْرِيم الْخمر مَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِم بِلَفْظ: حِين مَالَتْ رؤوسهم، فَدخل دَاخل فَقَالَ: إِن الْخمر حرمت. قَالَ: فَمَا خرج منا خَارج وَلَا دخل دَاخل حَتَّى كسرنا القلال وأهرقنا الشَّرَاب ... الحَدِيث، فَلَو كَانَ غير مُسكر لما فعلوا ذَلِك. وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أنس قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَأبي بن كَعْب عِنْد أبي طَلْحَة وَأَنا أسقيهم من شراب حَتَّى كَاد يَأْخُذ فيهم ... الحَدِيث وَفِي آخِره: وَإِنَّهَا الْبُسْر وَالتَّمْر، وَإِنَّهَا لخمرنا يومئذٍ، وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا، وَفِيه أَيْضا: حَتَّى كَاد الشَّرَاب أَن يَأْخُذ فيهم، وَفِي رِوَايَة للطحاوي: حَتَّى أسرعت فيهم، فَهَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوته أَن مشروبهم يومئذٍ كَانَ مُسكرا، وَلما بَلغهُمْ الْخَبَر بِتَحْرِيم

<<  <  ج: ص:  >  >>