وسُؤْرِ الكِلابِ وَمَمرِّها فِي المَسْجِدِ
وسؤر الْكلاب، بِالْجَرِّ، عطف على قَوْله: المَاء، وَالتَّقْدِير: وَبَاب سُؤْر الْكلاب، يَعْنِي: مَا حكمه، وَفِي بعض النّسخ جَمعهمَا فِي مَوضِع وَاحِد، وَفِي بَعْضهَا ذكرُوا كلهَا بعد قَوْله: (وممرها وَفِي الْمَسْجِد) ، وَفِي بَعْضهَا سَاقِط، وَقصد البُخَارِيّ بذلك إِثْبَات طَهَارَة الْكَلْب وطهارة سُؤْر الْكَلْب. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: أرى أَبَا عبد الله عَنى نَحْو تَطْهِير الْكَلْب حَيا، وأباح سؤره، لما ذكره من هَذِه الْأَخْبَار، وَهِي لعمري صَحِيحَة، إلَاّ أَن فِي الِاسْتِدْلَال بهَا على طَهَارَة الْكَلْب نظرا، والسؤر، بِالْهَمْزَةِ، بَقِيَّة المَاء الَّتِي يبقيها الشَّارِب: وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ مَا بَقِي من الشَّرَاب وَغَيره. وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه. والعامة لَا تهمزه، وَترك الْهمزَة لَيْسَ بخطأ، وَلَكِن الْهمزَة أفْصح وَأعرف. وَفِي (الواعي) : السؤر والسأر: الْبَقِيَّة من الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري، فِي كتاب (البقايا) : هُوَ مَا يبْقى فِي الْإِنَاء من الشَّرَاب بعد مَا شرب، يُقَال مِنْهُ اسأر إسآراً، وَهُوَ مسئر، وَجَاء: سأر، بِالتَّشْدِيدِ فِي الْمُبَالغَة.
وقالَ الزُّهْرِيُّ إِذا ولَغَ الكَلْبُ فِي إناءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يتَوَضَّأُ بِهِ
قَول الزُّهْرِيّ هَذَا رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم فِي مُصَنفه عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَغَيره عَنهُ، وَلَفظه: سَمِعت الزُّهْرِيّ: فِي إِنَاء ولغَ فِيهِ كلب فَلم يجد مَاء غَيره قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ اخرجه أبن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من ذريقه بِسَنَد صَحِيح وَاسم الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. قَوْله: (ولغَ) اي: الْكَلْب، والقرينة تدل عَلَيْهِ، وَجَاء فِي بعض الرِّوَايَات: (إِذا ولغَ الْكَلْب) ، بِذكرِهِ صَرِيحًا، ولغَ: ماضٍ من الولغ، وَهُوَ من الْكلاب وَالسِّبَاع كلهَا هُوَ أَن يدْخل لِسَانه فِي المَاء وَغَيره من كل مَائِع فيحركه فِيهِ، وَعَن ثَعْلَب: تحريكاً قَلِيلا أَو كثيرا، قَالَه المطرزي. وَقَالَ مكي فِي شَرحه: فَإِن كَانَ غير مَائِع قيل: لعقه ولحسه. قَالَ المطرزي: فَإِن كَانَ الْإِنَاء فَارغًا يُقَال: لحسه، فَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء يُقَال: ولغَ، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: معنى ولغَ: لطع بِلِسَانِهِ شرب فِيهِ أَو لم يشرب، كَانَ فِيهِ مَاء أَو لم يكن. وَفِي (الصِّحَاح) : ولغَ الْكَلْب بشرابنا وَفِي شرابنا وَمن شرابنا. وَقَالَ ابْن خالويه: ولغَ يلغ ولغاً وولغاناً، وولغ ولغاً وولغاً وولغاناً وولوغاً، وَلَا يُقَال: ولغَ فِي شَيْء من جوارحه سوى لِسَانه. وَقَالَ ابْن جني: الولغ فِي الأَصْل شرب السبَاع بألسنتها، ثمَّ كثر فَصَارَ الشّرْب مُطلقًا، وَذكر المطرزي أَنه يُقَال: ولغَ، بِكَسْر اللَّام، وَهِي لُغَة غير فصيحة، ومستقبله: يلغ، بِفَتْح اللَّام وَكسرهَا، وَقَالَ ابْن القطاع: سكَّن بَعضهم اللَّام فَقَالَ: ولغَ. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ) أَي: لمن أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ. قَوْله: (وضوء) ، بِفَتْح الْوَاو: أَي المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (غَيره) أَي غير مَا ولغَ فِيهِ، فَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، وَالْجُمْلَة المنفية حَال. وَقَوله: (يتَوَضَّأ) جَوَاب الشَّرْط. قَوْله: (بِهِ) أَي: بِالْمَاءِ، وَفِي بعض النّسخ: بهَا، فيؤول الْإِنَاء: بالمطهرة أَو الْإِدَاوَة، فَالْمَعْنى: يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهَا.
وقالَ سُفْيانُ: هَذَا الفِقْهُ بَعَيْنهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعالىَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا وهذَا ماءٌ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَتَوضَأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ
سُفْيَان هَذَا هُوَ الثَّوْريّ، لِأَن الْوَلِيد بن مُسلم لما روى هَذَا الْأَثر الَّذِي رَوَاهُ الزُّهْرِيّ ذكر عَقِيبه بقوله: فَذكرت ذَلِك لِسُفْيَان الثَّوْريّ، فَقَالَ: هَذَا وَالله الْفِقْه بِعَيْنِه، وَلَوْلَا هَذَا التَّصْرِيح لَكَانَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن أَنه سُفْيَان بن عُيَيْنَة لكَونه مَعْرُوفا بالرواية عَن الزُّهْرِيّ دون الثَّوْريّ. قَوْله: (هَذَا الْفِقْه بِعَيْنِه) أَرَادَ أَن الحكم بِأَنَّهُ يتَوَضَّأ بِهِ هُوَ الْمُسْتَفَاد من قَوْله تَعَالَى: {فَلم تَجدوا مَاء} (النِّسَاء: ٤٣، الْمَائِدَة: ٦) لِأَن قَوْله (مَاء) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فتعم وَلَا تَحض إِلَّا لدَلِيل وَسمي الثَّوْريّ الْأَخْذ بِدلَالَة الْعُمُوم قفهافإن قلت لما كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْعُمُومِ فقهاً وَكَانَ مَذْكُورا فِي الْقُرْآن فَلم قَالَ وَفِي النَّفس مِنْهُ شَيْء أَي دغدغه وَلم ءأى التَّيَمُّم بعد الْوضُوء بِهِ قلت رُبمَا يكون ذَلِك لعدم ظُهُور دلَالَته أَو لوُجُود معَارض لَهُ أما من الْقُرْآن أَو غير ذَلِك فَلذَلِك قَالَ (يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم) لِأَن المَاء الَّذِي يشك فِيهِ اكالمعدوم وَقَالَ الْكرْمَانِي رَحمَه الله وَلَا يخفى أَن الْوَاو بِمَعْنى ثمَّ إِذا التَّيَمُّم بعد التوضىء قطعا قلت لَا نسلم ذَلِك فَإِن هَذَا الْوَضع لَا يشْتَرط التَّرْتِيب بل الشَّرْط الْجمع بَينهمَا سَوَاء قدم الْوضُوء أَو أَخّرهُ قَوْله (فَلم تَجدوا مَاء) هَذَا نَص الْقُرْآن، وَوَقع فِي رِوَايَة ابي الْحسن الْقَابِسِيّ عَن ابي زيد الْمروزِي، فِي حِكَايَة قَول سُفْيَان، يَقُول الله تَعَالَى: {فان لم تَجدوا مَاء} (النِّسَاء: ٤٣، الْمَائِدَة: ٦) وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) على البُخَارِيّ. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: قد ثَبت ذَلِك فِي الْأَحْكَام لإسماعيل القَاضِي، يعْنى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute