للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد الله بن عمر وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَهَذَانِ رَوَاهُمَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا ابْن نمير حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا (أَنه كَانَ إِذا احْتجم غسل أثر محاجمه) . وَحدثنَا حَفْص عَن أَشْعَث عَن الْحسن وَابْن سِيرِين (أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ بِغسْل أثر المحاجم) . وَلما ذكر ابْن بطال فِي شَرحه أثر ابْن عمر وَالْحسن. قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْمُسْتَمْلِي وَحده بِإِثْبَات: إلَاّ، وَرَوَاهُ الْكشميهني، وَأكْثر الروَاة بِغَيْر: إلَاّ، ثمَّ قَالَ: وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي هِيَ الصَّوَاب، وَكَذَا قَالَ الْكرْمَانِي، ومقصودهم من تَصْحِيح هَذِه الرِّوَايَة إِلْزَام الْحَنَفِيَّة، وَلَا يصعد ذَلِك مَعَهم لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَأَوْا فِيهِ الْغسْل، مِنْهُم: ابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَعلي بن أبي طَالب، وروته عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بأسانيد جِيَاد، وَهُوَ مَذْهَب مُجَاهِد أَيْضا، وَأَيْضًا فالدم الَّذِي يخرج من مَوضِع الْحجامَة مخرج وَلَيْسَ بِخَارِج، والنقض يتَعَلَّق بالخارج كَمَا ذكرنَا، فَإِذا احْتجم وَخرج الدَّم فِي المحجم بمص الْحجام وَلم يسل وَلم يلْحق إِلَى مَوضِع يلْحقهُ حكم التَّطْهِير، فعلى الأَصْل الْمَذْكُور لَا ينْتَقض وضوؤه، وَلَكِن لَا بُد من غسل مَوضِع الْحجامَة، وَالْمَقْصُود إِزَالَة ذَلِك من مَوضِع الْحجامَة بِأَيّ شَيْء كَانَ، وَلَا يتَعَيَّن المَاء، وَفِي (الْمحلى) فِي أثر ابْن عمر: غسله بحصاة فَقَط، وَعَن اللَّيْث: يجْزِيه أَن يمسحه وَيُصلي وَلَا يغسلهُ، فَهَذَا يدل على أَن المُرَاد إِزَالَة ذَلِك. قَوْله: (محاجمه) جمع محجمة، بِفَتْح الْمِيم: مَكَان الْحجامَة، وبكسر الْمِيم: اسْم القارورة، وَالْمرَاد هَهُنَا الأول.

١٧٦ - حدّثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قالَ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كانَ فِي الَمسْجِدِ ينْتَظِرُ الصَّلَاةَ مَا لمْ يُحْدِثْ فقالَ رَجُلٌ أعْجَمِيٌّ مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ.

اقول: إِن كَانَ البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث هَهُنَا للرَّدّ على أحد مِمَّن هُوَ معود بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَغير مُنَاسِب، لِأَن حكم هَذَا الحَدِيث مجمع عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف. وَإِن كَانَ لأجل مطابقته لترجمة الْبَاب فَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا، لِأَنَّهُ دَاخل فِيمَن يرى الْوضُوء من المخرجين، وَقَالَ بعض الشُّرَّاح: وَالْبُخَارِيّ سَاقه لأجل تَفْسِير أبي هُرَيْرَة بالضرطة، وَهُوَ إِجْمَاع. قلت: لم يتَأَمَّل هَذَا مَا قَالَه، لِأَن الْبَاب مَا عقد لَهُ، وَلَا لَهُ مُنَاسبَة هُنَا.

بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة كلهم قد ذكرُوا، وَابْن أبي ذِئْب: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب، واسْمه: هِشَام بن شُعْبَة، وَسَعِيد بن أبي سعيد المقبرى، بِضَم الْبَاء وَفتحهَا، وَقيل: بِكَسْرِهَا أَيْضا.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلَاّ آدم فَإِنَّهُ أَيْضا دخل الْمَدِينَة.

بَيَان الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (لَا يزَال العَبْد فِي صَلَاة) اي: فِي ثَوَاب صَلَاة. قَوْله: (فِي صَلَاة) خبر: لَا يزَال. قَوْله: (مَا كَانَ فِي مَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (مَا دَامَ فِي مَسْجِد) . قَوْله: (ينْتَظر) : إِمَّا خبر للْفِعْل النَّاقِص، وَإِمَّا حَال. و (فِي الْمَسْجِد) خَبره، وَإِنَّمَا نكر الصَّلَاة وَعرف الْمَسْجِد لِأَنَّهُ قصد بالتنكير التنويع، ليعلم أَن المُرَاد نوع صلَاته الَّتِي ينتظرها، مثلا لَو كَانَ فِي انْتِظَار صَلَاة الظّهْر كَانَ فِي صَلَاة الظّهْر، وَفِي انْتِظَار الْعَصْر كَانَ فِي صَلَاة الْعَصْر، وهلم جراً. وَأما تَعْرِيف الْمَسْجِد فَظَاهر، لِأَن المُرَاد بِهِ هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ الْإِضْمَار، تَقْدِيره: لَا يزَال العَبْد فِي ثَوَاب صَلَاة ينتظرها مَا دَامَ ينتظرها، والقرينة لفظ الِانْتِظَار، وَلَو كَانَ يجْرِي على ظَاهره لم يكن لَهُ أَن يتَكَلَّم، وَلَا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يجوز فِي الصَّلَاة. قَوْله: (مَا لم يحدث) أَي: مَا لم يَأْتِ بِالْحَدَثِ. وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة زمانية، وَالتَّقْدِير: مُدَّة دوَام. عدم الْحَدث، كَمَا قَوْله تَعَالَى: {مَا دمت} (مَرْيَم: ٣١) أَي: مُدَّة دوامي {حَيا} (مَرْيَم: ٣١) فَحذف الظّرْف وخلفته: مَا، وصلتها. قَوْله: (أعجمي) نِسْبَة إِلَى الْأَعْجَم، كَذَا قيل، وَهُوَ الَّذِي لَا يفصح وَلَا يبين كَلَامه وَإِن كَانَ من الْعَرَب، والعجم خلاف الْعَرَب، وَالْوَاحد أعجمي. وَقَالَ ابْن الاثير: كل من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ اعجم ومستعجم. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: لَا نقل: رجل أعجمي، فتنسبه إِلَى نَفسه إلَاّ أَن يكون أعجم؛ وأعجمي بِمَعْنى مثل: دوار ودواري. قلت: فهم من كَلَامه أَن الْيَاء فِي: أعجمي، لَيست للنسبة، كَمَا قَالَ بَعضهم، وَإِنَّمَا هِيَ للْمُبَالَغَة. قَوْله: (فَقَالَ رجل) إِلَى آخِره: مدرج من سعيد.

بَيَان اسنتباط الاحكام الأول فِيهِ فضل انْتِظَار الصَّلَاة، لِأَن انْتِظَار الْعِبَادَة عبَادَة. الثَّانِي: فِيهِ أَن من يتعاطى أَسبَاب

<<  <  ج: ص:  >  >>