للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَيْش يَد أَي: وَاسع، وبايعته يدا بيد أَي بِالنَّقْدِ. قَوْله: (ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض؟) وَعند هَذَا القَوْل انْقِطَاع زمن الدُّنْيَا وَبعده يكون الْبَعْث والحشر والنشر، وَقيل: إِن الْمُنَادِي يُنَادى بعد حشر الْخلق على أَرض بَيْضَاء مثل الْفضة لم يعْص الله عَلَيْهَا: لمن الْملك الْيَوْم؟ فَيُجِيبهُ الْعباد: لله الْوَاحِد القهار) . رَوَاهُ أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود. وَأخرجه النّحاس. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث الصُّور الطَّوِيل إِن جَمِيع الْأَحْيَاء إِذا مَاتُوا بعد النفخة الأولى وَلم يبْق إلاّ الله، قَالَ سُبْحَانَهُ: (أَنا الْجَبَّار لمن الْملك الْيَوْم؟ فَلَا يجِيبه أحد، فَيَقُول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لله الوحد القهار) .

قلت: يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك يَقع مرَّتَيْنِ.

٠٢٥٦ - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ خالِدٍ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ زيدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تَكُون الأرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً يَتَكَفَّؤها الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ) فأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: بارَكَ الرَّحْمانُ عَليْكَ يَا أَبَا الْقَاسِم! أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القيامَةِ؟ قَالَ: (بَلَى) . قَالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبُزَةً واحِدَةً كَمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنَظَر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بإِدامِهِمْ؟ قَالَ: إدامُهُمْ بالامٌ ونُونٌ، قالُوا: وَمَا هاذا؟ قَالَ: ثَوْرٌ ونُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زائِدَةِ كَبِدِهما سَبْعُونَ ألْفاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الله عز وَجل يقبض الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يصيرها خبْزَة.

وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي بِضَم الْجِيم وَفتح الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة. والسند إِلَى سعيد مصريون وَمِنْه إِلَى آخِره مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده.

قَوْله: (تكون الأَرْض) يَعْنِي أَرض الدُّنْيَا. قَوْله: (خبْزَة) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي قَالَ الْخطابِيّ: الخبزة الطلمة بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ عجين يَجْعَل وَيُوضَع فِي الحفيرة بعد إيقاد النَّار فِيهَا. قَالَ: وَالنَّاس يسمونها: الْملَّة، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، وَإِنَّمَا الْملَّة الحفرة نَفسهَا، وَالَّتِي تمل فِيهَا هِيَ الطلمة والخبزة والمليل. قَوْله: (يَتَكَفَّؤُهَا) بِفَتْح التَّاء لمثناة من فَوق وبفتح الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة بعْدهَا همزَة أَي: يميلها ويقلبها من كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته، وَفِي رِوَايَة مُسلم: يكفؤها. قَوْله: (كَمَا يكفؤ أحدكُم خبزته فِي السّفر) أَرَادَ أَنه كخبزة الْمُسَافِر الَّتِي يَجْعَلهَا فِي الرماد الْحَار يقلبها من يَد إِلَى يَد حَتَّى تستوي لِأَنَّهَا لَيست منبسطة كالرقاقة، وَمَعْنَاهُ: أَن الله عز وَجل يَجْعَل الأَرْض كالرغيف الْعَظِيم الَّذِي هُوَ عَادَة الْمُسَافِرين فِيهِ ليَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَقَالَ الْخطابِيّ: يَعْنِي خبز الْملَّة الَّذِي يصنعه الْمُسَافِر فَإِنَّهَا لَا تدحى كَمَا تدحى الرقاقة، وَإِنَّمَا تقلب على الْأَيْدِي حَتَّى تستوي، وَهَذَا على أَن السّفر بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْفَاء، وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم أَوله جمع سفرة وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يتَّخذ للْمُسَافِر، وَمِنْه سميت السفرة يَعْنِي الَّتِي يُؤْكَل عَلَيْهَا. قَوْله: (نزلا لأهل الْجنَّة) بِضَم النُّون وَالزَّاي وبسكونها أَيْضا، وَهُوَ مَا يعد للضيف عِنْد نُزُوله، وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى جعل هَذِه الخبزة نزلا لمن يصير من أهل الْجنَّة يأكلونها فِي الْموقف قبل دُخُول الْجنَّة حَتَّى لَا يعاقبون بِالْجُوعِ فِي طول زمَان الْموقف، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن المُرَاد أَنه يَأْكُل مِنْهَا من سيصير إِلَى الْجنَّة من أهل الْحَشْر لَا أَنهم لَا يأكلونها حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة. وَقَالَ بعضم: وَظَاهر الْخبز يُخَالِفهُ.

قلت: كَانَ هَذَا الْقَائِل يَقُول: إِن قَوْله: (نزلا لأهل الْجنَّة) أَعم من كَون ذَلِك يَقع قبل دُخُول الْجنَّة أَو بعده، والداودي بنى كَلَامه على ظَاهر مَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة بَيْضَاء يَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ، وَلَا يُنَافِي الْعُمُوم مَا قَالَه الدَّاودِيّ، وَعَن الْبَيْضَاوِيّ أَن هَذَا الحَدِيث مُشكل جدا لَا من جِهَة إِنْكَار صنع الله وَقدرته على مَا يَشَاء، بل لعدم التَّوَقُّف على قلب جرم الأَرْض من الطَّبْع الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى طبع المطعوم والمأكول مَعَ مَا ثَبت فِي الْآثَار أَن هَذِه الأَرْض تصير يَوْم الْقِيَامَة نَارا وتنضم إِلَى جَهَنَّم، فَلَعَلَّ الْوَجْه فِيهِ أَن معنى قَوْله: (خبْزَة وَاحِدَة)

<<  <  ج: ص:  >  >>