للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: كخبزة وَاحِدَة من نعتها كَذَا وَكَذَا.

قلت: تكلم الطَّيِّبِيّ هُنَا بِمَا آل حَاصله وَحَاصِل كَلَام الْبَيْضَاوِيّ: أَن أَرض الدُّنْيَا تصير نَارا، مَحْمُول على حَقِيقَته، وَأَن كَونهَا تصير خبْزَة يَأْكُل مِنْهَا أهل الْموقف مَحْمُول على الْمجَاز.

قلت: الْأَثر الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن عَن سعيد بن جُبَير وَغَيره يرد عَلَيْهِمَا، وَالْأولَى أَن يحمل على الْحَقِيقَة مهما أمكن، وقدرة الله صَالِحَة لذَلِك، وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْضَاوِيّ من كَون الأَرْض تصير نَارا: أَن المُرَاد بِهِ أَرض الْبَحْر لَا كل الأَرْض، فقد أخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: يصير مَكَان الْبَحْر نَارا. وَفِي (تَفْسِير الرّبيع بن أنس) : عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تصير السَّمَوَات جفاناً وَيصير مَكَان الْبَحْر نَارا. فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث فِي قَوْله تَعَالَى: {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة} (الحاقة: ٤١) قَالَ: يصيران غبرة فِي وُجُوه الْكفَّار.

قلت: قد قَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بِأَن بَعْضهَا يصير نَارا وَبَعضهَا غباراً، وَبَعضهَا يصير خبْزَة، وَفِيه تَأمل، لِأَن لفظ حَدِيث الْبَاب: تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة يُطلق على الأَرْض كلهَا، وَفِيمَا قَالَه ارْتِكَاب الْمجَاز فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إلَاّ عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَلَا تعذر هُنَا من كَون كل الأَرْض خبْزَة، لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة لذَلِك ولأعظم مِنْهَا، بل الْجَواب الشافي هُنَا أَن يُقَال: إِن المُرَاد من كَون الأَرْض نَارا هُوَ أَرض الْبَحْر كَمَا مر، وَالْمرَاد من كَونهَا غبرة: الْجبَال، فَإِنَّهَا بعد أَن تدك تصير غباراً فِي وُجُوه الْكفَّار. قَوْله: (ثمَّ ضحك) يَعْنِي: تَعَجبا من الْيَهُودِيّ كَيفَ أخبر عَن كِتَابهمْ نَظِير مَا أخبر بِهِ من جِهَة الْوَحْي. قَوْله: (حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) أَي: حَتَّى ظَهرت نَوَاجِذه وَهُوَ جمع ناجذة بالنُّون والمعجمتين وَهِي أخريات الْأَسْنَان إِذا الأضراس أَولهَا الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء ثمَّ النواجذ، وَجَاء فِي كتاب الصَّوْم حَتَّى بَدَت أنيابه، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن النواجذ تطلق على الأنياب والأضراس أَيْضا، قيل: مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب التبسم، أَنه مَا كَانَ يزِيد على التبسم. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك بَيَان عَادَته وَحكم الْغَالِب فِيهِ، وَهَذَا نَادِر وَلَا اعْتِبَار لَهُ. قَوْله: (أَلا أخْبرك) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أَلا أخْبركُم) . قَوْله: (ثمَّ قَالَ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقَالَ. قَوْله: (بِالْأُمِّ) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف اللَّام وَالْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهِي مَوْقُوفَة ومرفوعة منونة وَغير منونة، وَفِيه أَقْوَال وَالصَّحِيح أَنَّهَا كلمة عبرانية مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ: الثور، وَبِهَذَا فسره وَلِهَذَا سَأَلُوا الْيَهُودِيّ عَن تَفْسِيرهَا، وَلَو كَانَت عَرَبِيَّة لعرفتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْخطابِيّ لَعَلَّ الْيَهُودِيّ أَرَادَ التعمية عَلَيْهِم وَقطع الهجاء وَقدم أحد الحرفيين على الآخر وَهِي لَام الف وياء يُرِيد لأي على وزن وَهُوَ الثور الوحشي فصحف الرَّاوِي الْمُثَنَّاة فَجَعلهَا مُوَحدَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَأما البالام فقد تمحلوا لَهَا شرحا غير مرضى لَعَلَّ اللَّفْظَة عبرانية، ثمَّ نقل كَلَام الْخطابِيّ الَّذِي ذكره ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أقرب مَا وَقع لي فِيهِ. قَوْله: (وَنون) وَهُوَ الْحُوت الْمَذْكُور فِي أول السُّورَة. قَوْله: (وَقَالُوا) ، أَي الصَّحَابَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالُوا. قَوْله: (مَا هَذَا؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَمَا هَذَا؟ بِزِيَادَة وَاو. قَوْله: (من زَائِدَة كبدهما) الزَّائِدَة هِيَ الْقطعَة المنفردة الْمُتَعَلّقَة بالكبد، وَهِي أطيبها وألذها، وَلِهَذَا خص بأكلها سَبْعُونَ ألفا، وَيحْتَمل أَن هَؤُلَاءِ هم الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَيحْتَمل أَن يكون عبر بالسبعين عَن الْعدَد الْكثير وَلم يرد الْحصْر فِيهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أول أكل أهل الْجنَّة زَائِدَة الكبد يلْعَب الثور والحوت بَين أَيْديهم فيذكي الثور الْحُوت بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، ثمَّ يُعِيدهُ الله تَعَالَى فيلعبان فيذكي الْحُوت الثور بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، كَذَلِك مَا شَاءَ الله، وَقَالَ كَعْب: فِيمَا ذكره ابْن الْمُبَارك: أَن الله يَقُول لأهل الْجنَّة إِذا دخلوها: إِن لكل ضيف جزوراً وَإِنِّي أجزركم الْيَوْم حوتاً وثوراً، فيجزر لأهل الْجنَّة، وروى مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان: تحفة أهل الْجنَّة زِيَادَة كبد النُّون، أَي: الْحُوت، وَفِيه غذاؤهم على أَثَرهَا أَنه ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي يَأْكُل من أطرافها، وَفِيه: وشرابهم عَلَيْهِ من عين تسمى سلسبيلاً.

١٠٨ - (حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ حَدثنِي أَبُو حَازِم قَالَ سَمِعت سهل بن سعد قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة نقي: قَالَ سهل أَو غَيره لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد)

<<  <  ج: ص:  >  >>