للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكتاب الَّذين يحسدون الْمُؤمنِينَ على مَا آتَاهُم الله من فَضله وَمَا منحهم بِهِ من إرْسَال رَسُوله، وَقَالَ عِكْرِمَة: هَذِه الْآيَة نزلت فِي شماس بن قيس الْيَهُودِيّ، دس على الْأَنْصَار من ذكرهم بالحروب الَّتِي كَانَت بَينهم فكادوا يقتتلون، فَأَتَاهُم النَّبِي فَذكرهمْ فعرفوا أَنَّهَا من الشَّيْطَان، فتعانق بَعضهم بَعْضًا ثمَّ انصرفوا سَامِعين مُطِيعِينَ، فَنزلت. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَوْصُولا.

وَقَالَ: الَّذين ءامنوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ءامنوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرالم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم سَبِيلا.

هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النِّسَاء، وسيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا} إِلَى سَبِيلا وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ {ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا} الْآيَة أخبر الله تَعَالَى عَمَّن دخل فِي الْإِيمَان ثمَّ رَجَعَ وَاسْتمرّ على ضلالته وازداد حَتَّى مَاتَ بِأَنَّهُ لَا يغْفر الله لَهُ وَلَا يَجْعَل لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فرجا وَلَا مخرجا وَلَا طَرِيقا إِلَى الْهدى، وَلِهَذَا قَالَ: {لم يكن الله ليغفر لَهُم} وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جَابر الْمُعَلَّى عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: يُسْتَتَاب الْمُرْتَد ثَلَاثًا، ثمَّ تلى هَذِه الْآيَة: {إِن الَّذين آمنُوا} الْآيَة.

وَقَالَ: {ياأيها الَّذين ءامنوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه لمن يَشَاء وَالله وَاسع عليم}

هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْمَائِدَة سَاقهَا بِتَمَامِهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة وأولها: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد} الْآيَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: من يرتدد، بفك الْإِدْغَام وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَنَافِع، وَيُقَال: إِن الْإِدْغَام لُغَة تَمِيم والإظهار لُغَة الْحجاز. وَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: نزلت فِي الْوُلَاة من قُرَيْش، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: نزلت فِي أهل الرِّدَّة أَيَّام أبي بكر الصّديق. قَوْله: {بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ الْحسن: هُوَ وَالله أَبُو بكر وَأَصْحَابه رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: سَمِعت أَبَا بكر بن عَيَّاش يَقُول: هم أهل الْقَادِسِيَّة، وَعَن مُجَاهِد: هم قوم من سبأ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: نَاس من أهل الْيمن ثمَّ من كِنْدَة ثمَّ من السّكُون. قَوْله: {أَذِلَّة} جمع ذليل وَضمن الذل معنى الحنو والعطف فَلذَلِك قيل: {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} كَأَنَّهُ قيل: عاطفين عَلَيْهِم على وَجه التذلل والتواضع، وقرىء: أَذِلَّة وأعزة، بِالنّصب على الْحَال.

وقالَ: {من كفر بِاللَّه بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}

هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة النَّحْل مُتَوَالِيَة سيقت كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {من شرح بالْكفْر} إِلَى قَوْله: {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} أَي: طَابَ بِهِ نفسا فاعتقده. قَوْله: {ذَلِك} إِشَارَة إِلَى الْوَعيد وَأَن العضب وَالْعَذَاب يلحقانهم بِسَبَب استحبابهم الدُّنْيَا على الْآخِرَة. قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم الغافلون} الكاملون فِي الْغَفْلَة الَّذين لَا أحد أغفل مِنْهُم. قَوْله: {لَا جرم} بِمَعْنى حَقًا. وجرم فعل عِنْد الْبَصرِيين وَاسم عِنْد الْكُوفِيّين بِمَعْنى حقّاً، وَتدْخل اللَّام فِي جَوَابه نَحْو: لَا جرم لآتينك، وَقَالَ تَعَالَى: {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وتصف ألسنتهم الْكَذِب أَن لَهُم الْحسنى لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون} فعلى قَول الْبَصرِيين: لَا رد لقَوْل الْكفَّار، وجرم مَعْنَاهُ عِنْدهم: كسب، أَي كسب كفرهم النَّار لَهُم.

<<  <  ج: ص:  >  >>