للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ الْحُسَيْن بن حَدِيث، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الذَّبَائِح عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ وَعَن يَعْقُوب ين إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن يحيى بن عبد لله النيسايوري، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك بِهِ، وَعَن خشيش بن أَصْرَم عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبد الرَّحْمَن بن بزدويه أَن معمراً ذكر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.

ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (فَأْرَة) بِهَمْزَة سَاكِنة وَجَمعهَا فأر بِالْهَمْز أَيْضا قَوْله: (سَقَطت فِي سمن) وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي الذَّبَائِح من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شهَاب (فَمَاتَتْ) ، وَزَاد النَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك، (فِي سمن جامد) قَوْله: (وألقوها) أَي. الْفَأْرَة أَي: أرموها وَمَا حولهَا أَي: وَمَا حول الْفَأْرَة من السّمن، وَيعلم من هَذِه الرِّوَايَة أَن السّمن كَانَ جَامِدا كَمَا صرح بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، لِأَن الْمَائِع لَا حوله لَهُ إِذْ الْكل حوله.

بَيَان ذكر استنباط الحكم يستنبط مِنْهُ أَن السّمن الجامد أذا وَقعت فِيهِ فَأْرَة أَو نَحْوهَا تطرح الْفَأْرَة وَيُؤْخَذ مَا حولهَا من السّمن ويرمى بِهِ، وَلَكِن إِذا تحقق أَن شَيْئا مِنْهَا لم يصل إِلَى شَيْء خَارج عَمَّا حولهَا وَالْبَاقِي يُؤْكَل، وَيُقَاس على هَذَا نَحْو الْعَسَل والدبس إِذا كَانَ جَامِدا، وَأما الْمَائِع فقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه ينجس كُله، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا. وَقد شَذَّ قوم فَجعلُوا الْمَائِع كُله كَالْمَاءِ، وَلَا يعْتَبر ذَلِك، وسلك دواد بن عَليّ فِي ذَلِك مسلكهم إلَاّ فِي السّمن الجامد والذائب. فَإِنَّهُ تبع ظَاهر هَذَا الحَدِيث، وَخَالف مَعْنَاهُ فِي الْعَسَل والخل وَسَائِر الْمَائِعَات، فَجَعلهَا كلهَا فِي لُحُوق النَّجَاسَة إِيَّاهَا بِمَا ظهر فِيهَا، فشذ أَيْضا ويزمه أَن لَا يتَعَدَّى الْفَأْرَة كَمَا لَا يتَعَدَّى السّمن. قَالَ أَبُو عَمْرو: وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الاستصباح بِهِ بعد إِجْمَاعهم على نَجَاسَته، فَقَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء لَا يستصبح بِهِ وَلَا ينْتَفع بِشَيْء مِنْهُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك، الْحسن بن صَالح وَأحمد بن حَنْبَل محتجين بالرواية الْمَذْكُورَة، وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه، وبعموم النَّهْي عَن الْميتَة فِي الْكتاب الْعَزِيز. وَقَالَ الْآخرُونَ: يجوز الاستصباح بِهِ وَالِانْتِفَاع فِي كل شَيْء الْأكل وَالْبيع وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وأصحابهما وَالثَّوْري، وَأما الْأكل فمجمع على تَحْرِيمه إلَاّ الشذوذ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَأما الاستصباح فَروِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر أَنَّهُمَا أجازا ذَلِك، وَمن حجتهم فِي تَحْرِيم بَيْعه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لعن الله الْيَهُود. حرمت عَلَيْهِم الشحوم فَبَاعُوهَا وأكلوا ثمنهَا أَن الله إِذا حرم أكل شَيْء حرم ثمنه) وَقَالَ آخَرُونَ: ينْتَفع بِهِ وَيجوز بَيْعه وَلَا يُؤْكَل، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك: أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَاللَّيْث بن سعد، وَقد رُوِيَ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَالقَاسِم وَسَالم محتجين بالرواية الْأُخْرَى، وَإِن كَانَ مَائِعا فاستصبحوا بِهِ وانتفعوا وَالْبيع من بَاب الِانْتِفَاع وَأما قَوْله فِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق وَإِن كَانَ مَائِعا فَلَا تقربوه، فَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْأكل، وَقد أجْرى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّحْرِيم فِي شحوم الْميتَة من كل وَجه وَمنع الِانْتِفَاع بهَا، وَقد أَبَاحَ فِي السّمن يَقع فِيهِ الْميتَة، الِانْتِفَاع بِهِ، فَدلَّ على جَوَاز وُجُوه الِانْتِفَاع بِشَيْء مِنْهَا غير الْأكل، وَمن جِهَة النّظر أَن شحوم الْميتَة مُحرمَة الْعين والذات، وَأما الزَّيْت، وَنَحْوه يَقع فِيهِ الْميتَة فَإِنَّمَا ينجس بالمحاورة وَمَا ينجس بالمحاورة فبيعه جَائِز، كَالثَّوْبِ تصيبه النَّجَاسَة من الدَّم وَغَيره، وَأما قَوْله: إِن الله تَعَالَى (إِذا حرم أكل شَيْء حرم ثمنه) ، فَإِنَّمَا خرج على لُحُوم الْميتَة الَّتِي حرم أكلهَا وَلم يبح الِانْتِفَاع بِشَيْء مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْخمر، وَأَجَازَ عبد الله بن نَافِع غسل الزَّيْت وَشبهه تقع فِيهِ الْميتَة، وَرُوِيَ عَن مَالك أَيْضا وَصفته، أَن يعمد إِلَى ثَلَاث أواني أَو أَكثر فَيجْعَل الزَّيْت النَّجس فِي وَاحِدَة مِنْهَا حَتَّى يكون نصفهَا أَو نَحوه، ثمَّ يصب عَلَيْهِ المَاء حَتَّى يمتلىء، ثمَّ يُؤْخَذ الزَّيْت من عَلَاء المَاء، ثمَّ يَجْعَل فِي آخر وَيعْمل بِهِ كَذَلِك، ثمَّ فِي آخر، وَهُوَ قَول لَيْسَ لقائله سلف، وَلَا تسكن إِلَيْهِ النَّفس قلت: هَذَا مِمَّا لَا ينعصر بالعصر، وَفِيه خلاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: يطهر مَا لَا ينعصر بالعصر بِغسْلِهِ ثَلَاثًا وتجفيفه فِي كل مرّة، وَذَلِكَ كالحنطة والخزفة الجديدة والحصير والسكين المموه بِالْمَاءِ النَّجس وَاللَّحم المغلي بِالْمَاءِ النَّجس فالطريق فِيهِ أَن تغسل الْحِنْطَة ثَلَاثًا وتجفف فِي كل مرّة، وَكَذَلِكَ الْحَصِير، وَيغسل الخزف حَتَّى لَا يبْقى لَهُ بعد ذَلِك طعم وَلَا لون وَلَا رَائِحَة، ويموه السكين بِالْمَاءِ الطَّاهِر ثَلَاث مَرَّات، ويطبخ اللَّحْم ثَلَاث مَرَّات، ويجفف فِي كل مرّة ويبرد من الطَّبْخ، وَأما الْعَسَل وَاللَّبن وَنَحْوهمَا إِذا مَاتَ فِيهَا الْفَأْرَة أَو نَحْوهَا يَجْعَل فِي الْإِنَاء وَيصب فِيهِ المَاء ويطبخ حَتَّى يعود إِلَى مَا كَانَ، وَهَكَذَا يفعل ثَلَاثًا وَقَالَ مُحَمَّد مَا لَا ينعصر بالعصر إِذا تنجس لَا يطهر أبدا، وَقد رُوِيَ عَن عَطاء قَوْله: تفرد بِهِ روى عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريح عَنهُ، قَالَ: ذكرُوا أَنه يدهن بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>