للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْن الْمَدِينِيّ، فَهُوَ دَاخل تَحت الْإِسْنَاد، وَيحْتَمل، وَإِن كَانَ احْتِمَالا بَعيدا، أَن يكون تَعْلِيقا من البُخَارِيّ قَالَ بَعضهم: هُوَ مُتَّصِل، وَأبْعد من قَالَ إِنَّه مُعَلّق قلت أحتمال التَّعْلِيق غير بعيد وَلَا يخفى ذَلِك.

٢٣٧ - حدّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَّمَدٍ قَالَ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرُ عَن هَمَّامِ بنِ مُنَبِهٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِا إذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَماً اللَّوْنُ لونُ الدَّمِ والعَرْفُ عَرْفُ لَمِسْكِ

ذكرُوا فِي مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة أوجهاً كلهَا بعيدَة مِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي: وَجه مُنَاسبَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة الْمسك: فَإِن أَصله دم انْعَقَد وفضلة نَجِسَة من الغزال، فَيَقْتَضِي أَن يكون نجسا كَسَائِر الدِّمَاء، وكسائر الفضلات، فَأَرَادَ البُخَارِيّ أَن يبين طَهَارَته بمدح الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ، كَمَا بَين طَهَارَة عظم الْفِيل بالأثر، فظهرت الْمُنَاسبَة غَايَة الظُّهُور، وَإِن استشكله الْقَوْم غَايَة الاستشكال انْتهى. قلت: لم تظهر الْمُنَاسبَة بِهَذَا الْوَجْه أصلا وظهورها غَايَة الظُّهُور بعيد جدا واستشكال الْقَوْم باقٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِيرَاد المُصَنّف لهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ لَا مدْخل لَهُ فِي طَهَارَة الدَّم وَلَا نَجَاسَته، وَإِنَّمَا ورد فِي فضل المطعون فِي سَبِيل الله تَعَالَى، قَالَ بَعضهم: وَأجِيب: بِأَن مَقْصُود المُصَنّف إِيرَاده تَأْكِيدًا لمذهبه فِي أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس بِمُجَرَّد الملاقاة مَا لم يتَغَيَّر، وَذَلِكَ لِأَن تبدل الصّفة يُؤثر فِي الْمَوْصُوف، فَكَمَا أَن تغير صفة الدَّم بالرائحة إِلَى طيب الْمسك أخرجه من النَّجَاسَة إِلَى الطَّهَارَة، فَكَذَلِك تغير صفة المَاء إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ، يُخرجهُ عَن صفة الطَّهَارَة إِلَى صفة النَّجَاسَة، فَإِذا لم يُوجد التَّغَيُّر لم تُوجد النَّجَاسَة. قلت: هَذَا الْقَائِل أَخذ هَذَا من كَلَام الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ نَقله فِي شَرحه عَن بَعضهم، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل وَتعقب، بِأَن الْغَرَض إِثْبَات انحصار التنجس بالتغير، وَمَا ذكر يدل على أَن التنجس يحصل بالتغير وَهُوَ باقٍ إِلَّا أَنه لَا يحصل إلَاّ بِهِ، وَهُوَ مَوضِع النزاع أنْتَهى قلت: هَذَا أَيْضا كَلَام الْكرْمَانِي، وَلكنه سبكه فِي صُورَة غير ظَاهِرَة، وَقَول الْكرْمَانِي هَكَذَا، فَنَقُول للْبُخَارِيّ: لَا يلْزم من وجود الشَّيْء عِنْد الشَّيْء أَن لَا يُوجد عِنْد عَدمه لجَوَاز مُقْتَض آخر، وَلَا يلْزم من كَونه خرج بالتغير إِلَى النَّجَاسَة أَن لَا يخرج إلَاّ بِهِ لاحْتِمَال وصف آخر يخرج بِهِ عَن الطَّهَارَة بِمُجَرَّد الملاقاة، إنتهى حَاصِل هَذَا أَنه وَارِد على قَوْلهم: إِن مَقْصُود البُخَارِيّ من إِيرَاد هَذَا الحَدِيث تَأْكِيد مذْهبه فِي أَن المَاء لَا يَتَنَجَّس بِمُجَرَّد الملاقاة.

وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن بطالإنما ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب نَجَاسَة المَاء لِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا صَحِيح السَّنَد فِي المَاء، فاستدل على حكم الْمَائِع بِحكم الدَّم الْمَائِع، وَهُوَ الْمَعْنى الْجَامِع بَينهمَا انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا وَجه غير حسن لَا يخفى.

وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن رشد وَهُوَ أَن مُرَاده أَن انْتِقَال الدَّم إِلَى الرَّائِحَة الطّيبَة هُوَ الَّذِي نَقله من حَالَة الدَّم إِلَى حَالَة الْمَدْح، فَحصل من هَذَا تَغْلِيب وصف وَاحِد، وَهُوَ، الرَّائِحَة، على وصفين، وهما: الطّعْم واللون، فيستنبط مِنْهُ أَنه مَتى تغير أحد اللأوصاف الثَّلَاثَة بصلاح أَو فَسَاد تبعه الأصفان الباقيان انْتهى قلت هَذَا ظَاهر الْفساد لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِنَّه إِذا وصف وَاحِد بِالنَّجَاسَةِ أَن لَا يُؤثر حَتَّى يُوجد الوصفان الْآخرَانِ، وَلَيْسَ بِصَحِيح. وَمِنْهَا مَا قَالَه ابْن الْمُنِير: لما تَغَيَّرت صفته إِلَى صفة طَاهِرَة بَطل حكم النَّجَاسَة فِيهِ.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْقشيرِي: المراعاة فِي المَاء بِتَغَيُّر لَونه دون رَائِحَته، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمى الْخَارِج من جرح الشَّهِيد دَمًا وَإِن كَانَ رِيحه ريح الْمسك، وَلم يقل مسكاً، وَغلب اسْم الْمسك لكَونه على رَائِحَته، فَكَذَلِك المَاء مَا لم يتَغَيَّر طعمه.

وكل هَؤُلَاءِ خارجون عَن الدائرة، وَلم يذكر أحد مِنْهُم وَجها صَحِيحا ظَاهرا لإيراد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، لِأَن هَذَا الحَدِيث فِي بَيَان فضل الشَّهِيد: على أَن الحكم الْمَذْكُور فِيهِ من أُمُور الْآخِرَة، وَالْحكم فِي المَاء بِالطَّهَارَةِ والنجاسة من أُمُور الدُّنْيَا، وَكَيف يلتثم هَذَا بِذَاكَ؟

ورعاية الْمُنَاسبَة فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء بِأَدْنَى وَجه يلمح فِيهِ كَافِيَة، والتكلفات بالوجوه الْبَعِيدَة غير مستملحة، وَيُمكن أَن يُقَال: وَجه الْمُنَاسبَة فِي هَذَا أَنه لما كَانَ مبْنى الْأَمر فِي المَاء بالتغير بِوُقُوع النَّجَاسَة، وَأَنه يخرج عَن كَونه صَالحا للاستعمال لتغير صفته الَّتِي خلق عَلَيْهَا أَو أورد لَهُ نظيراً بِتَغَيُّر دم الشَّهِيد. فَإِن مُطلق الدَّم نجس، وَلكنه تغير بِوَاسِطَة الشَّهَادَة فِي سَبِيل الله، وَلِهَذَا لَا يغسل عَنهُ دَمه ليظْهر شرفه يَوْم الْقِيَامَة لأهل الْموقف بانتقال صفته المذمومة

<<  <  ج: ص:  >  >>