وَكَانَ أَيُّوب فِي زمَان يَعْقُوب وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ كَانَت مَنَازِله الثَّنية من أَرض الشَّام والجابية من كورة دمشق وَكَانَ الْجَمِيع لَهُ ومقامه بقرية تعرف بدير أَيُّوب وقبره بهَا وَإِلَى هَلُمَّ جرا وَهِي قَرْيَة من نوى عَلَيْهِ مشْهد وَهُنَاكَ قدم فِي حجر يَقُولُونَ أَنَّهَا أثر قدمه وَهُنَاكَ عين يتبرك بهَا وَكَانَ أعبد أهل زَمَانه وعاش ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة قَوْله " يغْتَسل " جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله " أَيُّوب " وَالْجُمْلَة فِي مَحل الْجَرّ بِإِضَافَة بَين إِلَيْهِ قَوْله " عُريَانا " نصب على الْحَال ومصروف لِأَنَّهُ فعلان بِالضَّمِّ بِخِلَاف فعلان بِالْفَتْح كَمَا عرف فِي مَوْضِعه قَوْله " جَراد " بِالرَّفْع فَاعل خر قَالَ ابْن سَيّده الْجَرَاد مَعْرُوف قَالَ أَبُو عبيد قيل هُوَ سروة ثمَّ دبا ثمَّ غوغا ثمَّ كتفان ثمَّ خيفان ثمَّ جَراد وَقَالَ أَبُو اسحق إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الأجواني أول مَا يكون الْجَرَاد دبا ثمَّ يكون غوغا إِذا ماج بعضه فِي بعض ثمَّ يكون كتفانا ثمَّ يصير خيفانا إِذا صَارَت فِيهِ خطوط مُخْتَلفَة الْوَاحِدَة خيفانة ثمَّ يكون جَرَادًا وَقيل الْجَرَاد الذّكر والجرادة الْأُنْثَى وَمن كَلَامهم رَأَيْت جَرَادًا على جَرَادَة كَقَوْلِهِم رَأَيْت نعاما على نعَامَة وَفِي الصِّحَاح الْجَرَاد مَعْرُوف والواحدة الجرادة يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَيْسَ الْجَرَاد بِذكر للجرادة إِنَّمَا هُوَ اسْم جنس كالبقر وَالْبَقَرَة وَالتَّمْر وَالتَّمْرَة وَالْحمام والحمامة وَمَا أشبه ذَلِك فَحق مؤنثه أَن لَا يكون مؤنثه من لَفظه لِئَلَّا يلتبس الْوَاحِد الْمُذكر بِالْجمعِ وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة سمي جَراد لِأَنَّهُ يجرد الأَرْض فَإِنَّهُ يَأْكُل مَا عَلَيْهَا وَكَذَا هُوَ فِي الِاشْتِقَاق للرماني قَوْله " يحتثي " من بَاب الافتعال من الحثي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة قَالَ ابْن سَيّده الحثي مَا رفعت بِهِ يَديك يُقَال حَتَّى يحثي ويحثو وَالْيَاء أَعلَى وَزعم ابْن قرقول أَنه يكون بِالْيَدِ الْوَاحِدَة أَيْضا وَفِي الصِّحَاح حثى فِي وَجهه التُّرَاب يحثو ويحثي حثوا وحثيا وتحثيا وحثوت لَهُ إِذا أَعْطيته شَيْئا يَسِيرا وَيُقَال الحثية باليدين جَمِيعًا عِنْد أهل اللُّغَة وَقَالَ الْكرْمَانِي يحتثي أَي يَرْمِي يَعْنِي يَأْخُذ وَيَرْمِي فِي ثَوْبه وَقَالَ بَعضهم وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ عَن زيد يحتثن بنُون فِي آخِره بدل الْيَاء (قلت) أمعنت النّظر فِي كتب اللُّغَة فَمَا وجدت لَهَا وَجها فِي هَذَا قَوْله " فناداه ربه " يحْتَمل أَن يكون كَلمه كَمَا كلم مُوسَى وَهُوَ أولى بِظَاهِر اللَّفْظ وَيحْتَمل أَن يُرْسل إِلَيْهِ ملكا فَسمى هَذَا بذلك قَوْله " بلَى " أَي بلَى أغنيتني وَقَالَ الْكرْمَانِي وَلَو قيل فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع بدل بلَى نعم لَا يجوز بل يكون كفرا (قلت) لِأَن بلَى مُخْتَصَّة بِإِيجَاب النَّفْي وَنعم مقررة لما سبقها وَالْمرَاد فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أَنْت رَبنَا وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَو قَالُوا نعم لكفروا وَالْفُقَهَاء لم يفرقُوا فِي الأقارير لِأَن مبناها على الْعرف وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْعرف قَوْله " لَا غنى بِي " قَالَ بَعضهم لَا غنى بِالْقصرِ بِلَا تَنْوِين على أَن لَا بِمَعْنى لَيْسَ (قلت) هَذَا الْقَائِل لم يدر الْفرق بَين لَا بِمَعْنى لَيْسَ وَبَين لَا إِلَى لنفي الْجِنْس فَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَيْسَ فَهُوَ منون مَرْفُوع وَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَا لنفي الْجِنْس يكون مَبْنِيا على مَا ينصب بِهِ وَلَا ينون وَيجوز هَهُنَا الْوَجْهَانِ وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى لِأَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم وَقَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي أول الْبَقَرَة قرىء لَا ريب بِالرَّفْع وَالْفرق بَينهَا وَبَين الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة أَن الْمَشْهُورَة توجب الِاسْتِغْرَاق وَهَذِه تجوزه (فَإِن قلت) خبر لَا مَا هُوَ هَل هُوَ لفظ بِي أَو عَن بركتك قلت يجوز كِلَاهُمَا وَالْمعْنَى صَحِيح على التَّقْدِيرَيْنِ قَوْله " عَن بركتك " الْبركَة كَثِيرَة الْخَيْر. (وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ) مَا قَالَه ابْن بطال جَوَاز الِاغْتِسَال عُريَانا لِأَن الله تَعَالَى عَاتب أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام على جمع الْجَرَاد وَلم يعاتبه على الِاغْتِسَال عُريَانا وَفِيه جَوَاز الْحلف بِصفة من صِفَات الله تَعَالَى وَقَالَ الدَّاودِيّ فِيهِ فضل الكفاف على الْفقر لِأَن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن يَأْخُذ ذَلِك مفاخرا وَلَا مكاثرا وَإِنَّمَا أَخذه ليستعين بِهِ فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ وَلم يكن الرب جلّ وَعلا ليعطيه مَا ينقص بِهِ حَظه وَفِيه الْحِرْص على الْحَلَال وَفِيه فضل الْغنى لِأَنَّهُ سَمَّاهُ بركَة
(وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى بن عقبَة عَن صَفْوَان عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا) أَي روى هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور إِبْرَاهِيم وَهُوَ ابْن طهْمَان بِفَتْح الطَّاء الْخُرَاسَانِي أَبُو سعيد مَاتَ بِمَكَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة التَّابِعِيّ تقدم فِي بَاب إسباغ الْوضُوء عَن صَفْوَان بن سليم بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام التَّابِعِيّ الْمدنِي أَبُو عبد الله الإِمَام الْقدْوَة يُقَال أَنه لم يضع جنبه على الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute