قَوْله: (وأطفىء) أَمر من الإطفاء إِنَّمَا أَمر بذلك لِأَنَّهُ جَاءَ فِي (الصَّحِيح) : أَن الفويسقة جرت الفتيلة فأحرقت أهل الْبَيْت، وَهُوَ عَام يدْخل فِيهِ السراج وَغَيره، وَأما الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة فَإِن خيف حريق بِسَبَبِهَا دخلت فِي الْأَمر بالإطفاء، وَإِن أَمن ذَلِك كَمَا هُوَ من الْغَالِب فَالظَّاهِر أَنه لَا بَأْس بهَا لانْتِفَاء الْعلَّة، وَسبب ذَلِك أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على خمرة فجرت الفتيلة الْفَأْرَة فأحرقت من الْخمْرَة مِقْدَار الدِّرْهَم، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك نبه عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَت فَأْرَة فَأخذت تجر الفتيلة، فَجَاءَت بهَا وألقتها بَين يَدي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْخمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدا عَلَيْهَا، فأحرقت مِنْهَا مَوضِع دِرْهَم. قَوْله: (وأوك) أَمر من الإيكاء، وَهُوَ الشد، والوكاء: اسْم مَا يشد بِهِ فَم الْقرْبَة، وَهُوَ مَمْدُود مَهْمُوز، والسقاء بِكَسْر السِّين: اللَّبن، وَالْمَاء، والوطب للبن خَاصَّة، والنحي للسمن، والقربة للْمَاء. قَوْله: (وخمِّر) ، أَمر من التخمير وَهُوَ التغطية، وللتخمير فَوَائِد: صِيَانة من الشَّيَاطِين والنجاسات والحشرات وَغَيرهَا، وَمن الوباء الَّذِي ينزل فِي لَيْلَة من السّنة، وَفِي رِوَايَة أَن فِي السّنة لليلة وَفِي رِوَايَة يَوْمًا ينزل وباء لَا يمر بِإِنَاء لَيْسَ عَلَيْهِ غطاء أَو شَيْء لَيْسَ عَلَيْهِ وكاء إلَاّ نزل فِيهِ ذَلِك الوباء. قَالَ اللَّيْث بن سعد: والأعاجم يَتَّقُونَ ذَلِك فِي كانون الأول. قَوْله: (وَلَو تعرض عَلَيْهِ شَيْئا) بِضَم الرَّاء وَكسرهَا، وَمَعْنَاهُ: إِن لم تقدر أَن تغطي فَلَا أقل من أَن تعرض عَلَيْهِ عوداً، أَي: تعرضه عَلَيْهِ بِالْعرضِ وتمده عَلَيْهِ عرضا، أَي: خلاف الطول. قَوْله: (شَيْئا) ، وَفِي رِوَايَة: عوداً، هَذَا مُطلق فِي الْآنِية الَّتِي فِيهَا شراب أَو طَعَام. قلت: روى مُسلم من حَدِيث جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: أَخْبرنِي أَبُو حميد السَّاعِدِيّ، قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح لبن من النقيع لَيْسَ مخمراً. قَالَ: ألَا خمرته، وَلَو تعرض عَلَيْهِ عوداً قَالَ أَبُو حميد: إِنَّمَا أَمر بالأسقية إِن توكأ لَيْلًا، وبالأبواب أَن تغلق لَيْلًا انْتهى. فَهَذَا أَبُو حميد قيد الإيكاء والإغلاق بِاللَّيْلِ. قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَار عِنْد الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن تَفْسِير الصَّحَابِيّ إِذا كَانَ خلاف ظَاهر اللَّفْظ لَيْسَ بِحجَّة، وَلَا يلْزم غَيره من الْمُجْتَهدين مُوَافَقَته على تَفْسِيره. وَأما إِذا كَانَ فِي ظَاهر الحَدِيث مَا يُخَالِفهُ فَإِن كَانَ مُجملا يرجع إِلَى تَأْوِيله، وَيجب الْحمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُجملا لَا يحل لَهُ حمله على شَيْء إلَاّ بتوقيف، وَكَذَا لَا يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِمذهب الرَّاوِي عندنَا، بل يتَمَسَّك بِالْعُمُومِ، وَقد يُقَال: أَبُو حميد قَالَ: أمرنَا، وَهَذَا رِوَايَة لَا تَفْسِير، وَهُوَ مَرْفُوع على الْمُخْتَار، وَلَا تنَافِي بَين رِوَايَة أبي حميد وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي يَوْم، إِذْ لَيْسَ فِي أَحدهمَا نفي للْآخر وهما ثابتان. فَإِن قلت: مَا حكم أوَامِر هَذَا الْبَاب؟ قلت: جَمِيعهَا من بَاب الْإِرْشَاد إِلَى الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واشهدوا إِذا تبايعتم} (الْبَقَرَة: ٢٨٢) . وَلَيْسَ على الْإِيجَاب، وغايته أَن يكون من بَاب النّدب، بل قد جعله كثير من الْأُصُولِيِّينَ قسما مُنْفَردا بِنَفسِهِ عَن الْوُجُوب وَالنَّدْب، وَيَنْبَغِي للمرء أَن يمتثل أمره، فَمن امتثل أمره سلم من الضَّرَر بحول الله وقوته، وَمَتى وَالْعِيَاذ بِاللَّه خَالف إِن كَانَ عناداً خلد فَاعله فِي النَّار، وَإِن كَانَ عَن خطأ أَو غلط فَلَا يحرم شرب مَا فِي الْإِنَاء أَو أكله، وَالله أعلم.
٨٦ - (حَدثنِي مَحْمُود بن غيلَان قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن صَفِيَّة ابْنة حييّ قَالَت كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معتكفا فَأَتَيْته أَزورهُ لَيْلًا فَحَدَّثته ثمَّ قُمْت فَانْقَلَبت فَقَامَ معي لِيقلبنِي وَكَانَ مَسْكَنهَا فِي دَار أُسَامَة بن زيد فَمر رجلَانِ من الْأَنْصَار فَلَمَّا رَأيا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَسْرعَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على رِسْلكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّة بنت حييّ فَقَالَا سُبْحَانَ الله يَا رَسُول الله قَالَ إِن الشَّيْطَان يجْرِي من الْإِنْسَان مجْرى الدَّم وَإِنِّي خشيت أَن يقذف فِي قُلُوبكُمَا سوءا أَو قَالَ شَيْئا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله إِن الشَّيْطَان وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم والْحَدِيث مر فِي كتاب الِاعْتِكَاف فِي بَاب هَل يخرج الْمُعْتَكف لحوائجه إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره نَحوه وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " فَانْقَلَبت " من الانقلاب وَهُوَ الرُّجُوع مُطلقًا وَالْمعْنَى هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute