مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، فَإِن فِيهِ النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ لِأَنَّهُ من أَفعَال الْجَاهِلِيَّة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر.
وَكلمَة (ألَا) للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا قبلهَا. قَوْله:(من كَانَ حَالفا) يَعْنِي: من أَرَادَ أَن يحلف لتأكيد فعل أَو قَول فَلَا يحلف إلَاّ بِاللَّه، لِأَن الْحلف يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه تَعَالَى فَلَا يضاهى بِهِ غَيره، وَقد جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لِأَن أَحْلف بِاللَّه تَعَالَى مائَة مرّة فآثم خير من أَن أَحْلف بِغَيْرِهِ فأبر. وَيكرهُ الْحلف بِغَيْر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته وَسَوَاء فِي ذَلِك: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكعبة وَالْمَلَائِكَة وَالْأَمَانَة وَالروح، وَغير ذَلِك، وَمن أَشدّهَا كَرَاهَة الْحلف بالأمانة. فَإِن قلت: قد أقسم الله تَعَالَى بمخلوقاته، كَقَوْلِه:{وَالصَّافَّات}{والذاريات}{وَالْعَادِيات} ؟ قلت: إِن الله تَعَالَى أَن يقسم بِمَا شَاءَ من مخلوقاته تَنْبِيها على شرفها. قَوْله:(فَكَانَت قُرَيْش تحلف بِآبَائِهَا) بِأَن يَقُول وَاحِد مِنْهُم عِنْد إِرَادَة الْحلف، وَأبي أفعل هَذَا، أَو: وَأبي لَا أفعل، أَو يَقُول: وَحقّ أبي، أَو تربة أبي وَنَحْو ذَلِك، فَنهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ لِأَن هَذَا من أَيْمَان الْجَاهِلِيَّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم:(إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت) وَفِي رِوَايَة: لَا تحلفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ. قَالَ النَّوَوِيّ: فَإِن قيل: هَذَا الحَدِيث مُخَالف لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق) فَجَوَابه: إِن هَذِه كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد بهَا الْيَمين، وَقَالَ غَيره: بل هِيَ من جملَة مَا يُزَاد فِي الْكَلَام لمُجَرّد التَّقْرِير والتأكيد، وَلَا يُرَاد بهَا الْقسم كَمَا تزاد صِيغَة النداء لمُجَرّد الِاخْتِصَاص دون الْقَصْد إِلَى النداء.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ:(أهل الْجَاهِلِيَّة) . وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ سكن مصر، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: قدم مصر وَحدث بهَا وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث الْمصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله:(كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة) ، وَفِيه خلاف، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة الْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل، وَعند الْحَنَفِيَّة وَرَاءَهَا أفضل، لِأَنَّهَا متبوعة، وَبِه قَالَ فِي رِوَايَة، وَعنهُ: الْأَفْضَل أَن تكون المشاة أمامها والركبان خلفهَا، وَبِه قَالَ أَحْمد. قَوْله:(وَلَا يقوم لَهَا) ، أَي: وَلَا يقوم الْقَاسِم أَي للجنازة، ويخبر عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: كَانَ أَي أهل الْجَاهِلِيَّة يقومُونَ لَهَا إِذا رَأَوْا الْجِنَازَة، وَالظَّاهِر أَن أَمر الشَّارِع بِالْقيامِ لَهَا لم يبلغ عَائِشَة، فرأت أَن ذَلِك من أَفعَال أهل الْجَاهِلِيَّة، وَلَكِن الشَّارِع فعله، وَاخْتلف فِي نسخه، فَقَالَت الشَّافِعِيَّة وَمَالك: هُوَ مَنْسُوخ بجلوسه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمُخْتَار أَنه باقٍ، وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون، قَالَ