صَاحب (التَّلْوِيح) فِي قَوْلهَا: (قريب الْبَيْت من النادي) كَذَا هُوَ فِي النّسخ: النادي، بِالْيَاءِ هُوَ الفصيح فِي الْعَرَبيَّة. وَلَكِن الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة خذفها الْيُتْم السجع، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار بعد قَوْله: (قريب الْبَيْت من الناد) لَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف، وَلَا ينَام لَيْلَة يخَاف.
قَوْله: (وَقَالَت الْعَاشِرَة) أَي: الْمَرْأَة الْعَاشِرَة وَاسْمهَا: كَبْشَة، مثل الْخَامِسَة بنت الأرقم بالراء وَالْقَاف. قَوْله: (زَوجي مَالك، وَمَا مَالك؟ مَالك خير من ذَلِك) . أردْت بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ تَعْظِيم زَوجهَا لِأَن كلمة: مَا استفهامية وفيهَا معنى التَّعْظِيم والتهويل، وَحَقِيقَة: مَا مَالك، أَي: مَا هُوَ، أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعظمه وأكبره وأكرمه مثل قَوْله عز وَجل: {الحاقة مَا الحاقة} (الحاقة: ١) {القارعة مَا القارعة} (القارعة: ١) أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعطم أمرهَا وأهولها. وَقَوْلها: (مَالك خير من ذَلِك) زِيَادَة فِي التَّعْظِيم وَتَفْسِير لبَعض الْإِبْهَام وَأَنه خير مِمَّا أُشير إِلَيْهِ من ثَنَاء وَطيب ذكرا وَفَوق مَا أعتقده فِيهِ من سؤدد وفخر قَوْلهَا: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى: مَالك، أَي: خير من كل مَالك، والتعميم يُسْتَفَاد من الْمقَام أَو هُوَ نَحْو: تَمْرَة خير من جرادةٍ أَي كل تَمْرَة خير من كل جَرَادَة، أَو هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا فِي ذهن الْمُخَاطب، أَي: مَالك خير مِمَّا فِي ذهنك من مَالك الْأَمْوَال. قَوْله: (لَهُ إبل) أَي: لزوجي إبل (كثيرات الْمُبَارك) وَهُوَ جمع مبرك وَهُوَ مَوضِع البروك أَرَادَت أَنه يبركها فِي مُعظم أَوْقَاتهَا بِفنَاء دَاره لَا يوجهها تسرح إِلَّا قَلِيلا قدر الضَّرُورَة حَتَّى إِذا نزل بِهِ الضَّيْف كَانَت الْإِبِل حَاضِرَة فيقريه من أَلْبَانهَا ولحومها، ويروى: عظيمات الْمُبَارك، وَهُوَ كِنَايَة عَن سمنها وَعظم جسومها فيعظم مباركها لذَلِك. قَوْله: (قليلات المسارح) ، وَهُوَ جمع مسرح وَهُوَ الْموضع الَّذِي تسرح إِلَيْهِ الْمَاشِيَة بِالْغَدَاةِ المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة. وسرحتها يَأْتِي لَازِما ومتعديا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: نصفه بِكَثْرَة الْإِطْعَام وَسقي الألبان أَي: أَن إبِله على كثرتها لَا تغيب عَن الْحَيّ وَلَا تسرح إِلَى المراعي الْبَعِيدَة وَلكنهَا تبرك بفنائه ليقري الضيفان من لَبنهَا ولحمها خوفًا من أَن ينزل بِهِ ضيف وَهِي بعيدَة عازبة، وَقيل: إِن مَعْنَاهُ أَن إبِله كَثِيرَة فِي حَال بروكها، فَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لِكَثْرَة مَا تحرمنها فِي مباركها للأضياف. وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم عَن هِشَام فِي آخر هَذَا الْكَلَام: وَهُوَ إِمَام الْقَوْم فِي المهالك. قَوْله: (وَإِذا سمعن صَوت المزهر أَيقَن أَنَّهُنَّ هوالك) ، أَي: إِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت المزهر، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: الْعود الَّذِي يضْرب بِهِ أَي: إِن زَوجهَا عود الْإِبِل إِذا نزل بِهِ الضيفان أَتَاهُم بالعيدان وَالْمَعَازِف وآلات الطّرف ونحولهم مِنْهَا، فَإِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت المزهر علمت يَقِينا أَنه قد جَاءَ الضيفان وأنهن منحورات هوالك، وَقَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: لم تكن تعرف الْعَرَب الْعود إلَاّ الَّذين خالطوا الْحَضَر، وَالَّذِي يذهب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ المزهر، يَعْنِي: بِضَم الْمِيم وَكسر الْهَاء وَهُوَ الَّذِي يزهر النَّار للأضياف، فَإِذا سمعن صَوت ذَلِك ومعمعان النَّار أيقنت بالعقر. وَقَالَ عِيَاض: لَا تعرف أحدا رَوَاهُ المزهر، كَمَا قَالَ النَّيْسَابُورِي: وَالَّذِي رَوَاهُ النَّاس كلهم المزهر، يَعْنِي بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الصَّوَاب. وَالضَّمِير فِي سمعهن وأيقن برجع إِلَى الْإِبِل كَمَا ذَكرْنَاهُ، والهوالك جمع هالكة.
قَوْله: (قَالَت الْحَادِيَة عشرَة) أَي: الْمَرْأَة الْحَادِيَة عشرَة، قَالَ النَّوَوِيّ: وَفِي بعض النسح: الْحَادِي عشرَة، وَفِي بَعْضهَا: الْحَادِيَة عشر، وَالصَّحِيح الأول، وَهِي: أم زرع بنت أكيمل بن سَاعِدَة اليمنية، وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور: بِحَدِيث أم زرع. قَوْله: (زَوجي أَبُو زرع! فَمَا أَبُو زرع؟) هُوَ كَقَوْل الْعَاشِرَة: مَالك وَمَا مَالك؟ أخْبرت أَولا أَن زَوجهَا أَبُو زرع، ثمَّ عظمت شَأْنه بقولِهَا: فَمَا أَبُو زرع؟ يَعْنِي: إنكن لَا تعرفنه لأنكن لم تعهدن مثله. قَوْله: (أَبُو زرع) . فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: نكحت أَبَا زرع. قَوْله: (فَمَا أَبُو زرع؟) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَمَا أَبُو رزع، بِالْوَاو وَهُوَ الْمَحْفُوظ للأكثرين، وَزَاد الطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَة: صَاحب نعم وَزرع. قَوْله: (أنَاس من حلي أُذُنِي) أنَاس فعل مَاض من النوس وَهُوَ الْحَرَكَة من كل شَيْء معتدل يُقَال: نَاس ينوس نوسا، وأناسه غَيره إناسة، والحلي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء جمع: حلي، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء، وَهُوَ اسْم لكل مَا يتزين بِهِ من مصاغ الذَّهَب وَالْفِضَّة، (وأذني) بتَشْديد الْيَاء، تَثْنِيَة أذن أَرَادَت: حلاني قرطة وشنوفا يَعْنِي مَلأ أُذُنِي بِمَا جرت بِهِ عَادَة النِّسَاء من التحلي بِهِ فِي الْأذن من القرط وَهُوَ الْحلق من ذهب وَفِضة ولؤلؤ وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ ابْن السّكيت: معني أنَاس: أثقل أُذُنِي حَتَّى تدلى واضطرب قَوْله: (وملأ من شَحم عضدي) بتَشْديد الْيَاء تَثْنِيَة عضد. وَقَالَ أَبُو عبيد: لم ترد الْعظم وَحده وَإِنَّمَا أَرَادَت الْجَسَد كُله. لِأَن العضف إِذا سمنت سمن سَائِر الْجَسَد، وخصت الْعَضُد لِأَنَّهَا أقرب مَا يَلِي بصر الْإِنْسَان من جسده. قَوْله: (وبجحني) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ بتَشْديد الْجِيم من التبجيح وَهُوَ التفريح، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ عظمني، وَقَالَ ابْن أبي أويس: وسع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute