للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كلُّه دليل على أنهم فهموا من الحديث عمومَ التحريم في الرجال (١). وعمرُ وحذيفةُ من رواة حديث التحريم، فهم أعلم بمعنى ما سمعوا.

ولأنَّ ذلك إجماع منهم، فإنه لم يبلغنا أنَّ (٢) أحدًا منهم أرخص فيه. وعبد الرحمن لم يخالف عمر في إنكاره عليه إلباسَه الحريرَ، بل أقرَّه على إنكاره عليه إلباسَهم الحرير، وإنما قال له: أفزعتَ الصبيَّ. فعُلِم أنه وافق عمرَ على أنَّ الصبيان ممنوعون من لُبس الحرير، وأنَّ ذلك الإلباس إمَّا يكون مِن فعلِ [ص ٨٦] النساء، أو يكون (٣) عبد الرحمن لم يكن سمع النهي.

وقد روي (٤) أنه قاس ابنه على نفسه، لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد أرخص له في لُبس الحرير للحِكَّة، فقال له عمر: إنه ليس مثلَك. وهذا دليل على أنَّ أحدًا منهم لم يفرِّق بين الصغير والكبير.

ولأنَّ تزيين الغلام بما تُزيَّن به الجاريةُ ليس بجائز، لأنه ليس محلًّا للشهوة، بل يجب صونُه عمَّا يُشبِه به النساءَ، ويصير به بمنزلة المخنَّث؛ فإنَّ ذلك سببٌ لاعتياده التشبُّهَ بالنساء وتخنيثه إذا كبر؛ وربما كان سببًا للفتنة به، إلى غير ذلك من المفاسد.

وأما إلباسُه الذهبَ، فالمنصوص عنه فيه التحريم، لكن أصحابنا أجرَوا


(١) في الأصل بعده: «والنساء»، ولعله خطأ من الناسخ.
(٢) «أنَّ» ساقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع: «ويكون»، والصواب ما أثبت من الأصل.
(٤) عند مسدّد وابن منيع في «مسنديهما»، كما في «المطالب العالية» (٢٢٤٣، ٢٢٤٥).