للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين عقيبَ فتح مكة: اجعل لنا ذات أنواط. فقال: «الله أكبر. قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. إنها السُّنَن. لتتبعُنَّ سُنَنَ من قبلكم» (١). وسيعود الدين غريبًا كما بدأ، ويصير الصغير كبيرًا، فكيف تؤمن المفسدة؟ بل هي واقعة كثيرة. فهذه هي العلَّة المقصودة لصاحب الشرع في النهي عن الصلاة في المقبرة واتخاذ القبور مساجد، لِمن تأمَّل الأحاديث، ونظَر فيها. وقد نصَّ الشارع على هذه العلَّة، كما تقدَّم.

فأما إن كان التراب نجسًا، فهذه علَّة أخرى قد تُجامع الأولى، لكن تكون المفسدة الناشئة من اتخاذها أوثانًا أعظم من مفسدة نجاسة التراب، فإنَّ تلك تقدح في نفس التوحيد والإخلاص، الذي هو أصلُ الدين وجِماعُه ورأسُه، والذي بُعثت به جميعُ المرسلين، كما قال سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: ٤٥]، وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا [ص ١٥٩] الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: ١٣]. ولهذا كانت فاتحة دعوة المرسلين من نوح وهود وصالح


(١) حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (٤٣٥٨)، والحاكم (١/ ٦٥)، وأعله البيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/ ٢٩) بالانقطاع بين سعد وابن عمر، وانظر: «البدر المنير» (٩/ ٤٦٠).
() أخرجه أحمد (٢١٨٩٧، ٢١٩٠٠)، والترمذي (٢١٨٠)، من حديث أبي واقد الليثي.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وصححه ابن حبان (٦٧٠٢).