للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغير ذلك من الأخلاق، وأنَّ ذرية إبليس مقترنة بها.

وإذا كان كذلك فالمواضع التي هي مألف الشياطين ومثواهم، نهى الشارع عن الصلاة فيها، لما في الصلاة فيها من المفسدة التي تعكِسُ على المصلي مقصودَه من العبادة؛ بل هي من أبلغ الأسباب المانعة من صحة العبادة وصلاحها؛ كما فضَّل الأماكنَ التي هي مألف الملائكة والصالحين مثل المساجد الثلاثة، لما يرجى هناك من مزيد الرحمة والبركة وكمال العبادة؛ ولما يُخاف هنالك من نقص الرحمة والبركة ونقص العبادة. ألا ترى إلى قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: ٩٧ - ٩٨]؟ ألا ترى أنَّ المسجد صِينَ عن كلِّ ما ينفِّر الملائكةَ من التماثيل والجنُب وارتفاع الأصوات ونحو ذلك؟

فعُلِمَ أنَّ مواضع العبادة يُقصَد أن تكون مما تنزل فيه الرحمة والسكينة والملائكة، وأنَّ ما كان محلًّا لضدِّ ذلك لم يُجعَل موضعَ صلاة. وهذه العلَّة التي أومأ إليها الشارع هنا أومأ إليها في مواضع أخَر، فإنَّهم لما ناموا عن صلاة الفجر بعد القفول من غزوة خيبر واستيقظوا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليأخذ كلُّ رجل منكم برأس راحلته، فإنَّ هذا منزلٌ حضَرَنا فيه الشيطانُ» (١)، مع أمره بصلاة الفائتة حين يُنتبَه لها وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا كفارة لها إلا ذلك» (٢). فعُلِم أنَّ الصلاةَ ببقعةٍ يحضرها الشيطانُ أمرٌ محذورٌ في الشرع.

واعتُبِر هذا المعنى في قطع الصلاة بمرور المارِّ [ص ١٦٠] فقال لمَّا سئل عن الفرق بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر: «الكلب الأسود


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.