للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنَّ الله سبحانه قال: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ٢٦]، وقال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: ٩٧]، فبيَّن أن الطواف والركوع والسجود إنما هو متعلِّق بالبيت، والبيت أو الكعبة لا يكون اسمًا إلا للبناء. فأمَّا العرصة والهواء فليس هو بيتًا ولا كعبة.

وأيضًا فلو كان استقبال هواء العرصة [و] (١) الطواف به كافيًا لم يجب بناء البيت، ولم يُحتَج إليه. فلما أمر الله إبراهيمَ خليله ببناء بيته وبدعاء الناس إلى حجِّه حينئذ، وكان من أشراط الساعة خراب هذه البنية= عُلِمَ أنَّ دين الله منوط ببِنية [ص ١٧٨] تكون هناك، وأن لا يكون وجودها وعدمها سواء، وأنَّ هذه البنية إذا زالت زوالًا لا تعود بعده، فقد اقترب الوعد الحقُّ بما يكون من رفعِ كتاب الله المنزَّل من الصدور والمصاحف، وقبضِ أرواح المؤمنين الذين هم أهل دين الله. وذلك دليل واضح أنه لا دين يقوم لله إلا بوجود البِنية المعظَّمة المكرَّمة المشرَّفة.

وأيضًا فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سنَّ لكلِّ مصلٍّ أن ينصب بين يديه شيئًا يصلِّي إليه، وكرِه الصلاة إلى الهواء المحض، فكيف تكون قبلة الله التي يجب استقبالها هواءً محضًا؟

وأما ما ذكروه من الصلاة على (٢) أبي قبيس ونحوه، فإنما ذاك لأنَّ بين يدي المصلِّي قبلة شاخصة مرتفعة، وإن لم تكن مسامِتة له، فإنَّ المسامَتة غير مشروطة؛ كما لم تكن مشروطة في الائتمام بالإمام مع أنَّ المأموم خلفه،


(١) واو العطف من حاشية الناسخ.
(٢) في الأصل والمطبوع: «إلى»، تحريف.