للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: ٩٧]. وقد روى ابن عباس أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخل البيتَ، ثم خرج، فركع ركعتين في قِبَل الكعبة، وقال: «هذه القبلة» متفق عليه (١) وفي حديث آخر أنه عدَّ الكبائر، وذكر منها استحلال الكعبة البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا (٢).

وإذا كان نفس الكعبة هي القبلة، فيجب عليه أن يستدِلَّ على قبلته بحسب الإمكان. ولا يكفيه مجرَّدُ التوجُّه إلى جهتها، لأنَّ المستقبِل لجهتها قد لا يكون مستقبِلًا لها، ولأنه مخاطَب باستقبال الكعبة، فوجب عليه أن يقصِد عينَها حسب الطاقة كالقريب. وذلك لأنهما لا يفترقان في فرض استقبال الكعبة، وإنما يفترقان في أنَّ ذلك متيقِّن للصواب على التحديد، وهذا مجتهد في الإصابة على التقريب.

ولأنَّ المسافر يلزمه حينَ اشتباهِ الجهات تحرِّي جهة الكعبة، فكذلك العالِمُ بجهة الكعبة يلزمه تحرِّي جهة سَمت الكعبة حسب الطاقة، وإن كان على وجه التقريب والتخمين.

وعلى هذه الرواية، متى تيامن أو تياسر عن صَوب اجتهاده لم تصحَّ صلاته، لأنه يغلب على ظنِّه أنه منحرف عن قبلته، فأشبه القريبَ، بخلاف ما إذا توسَّط الجهةَ وتحرَّى نفسَ البيت.

والرواية الثانية: ما ذكره الشيخ - رحمه الله - أنَّ فرضه إصابة الجهة. فلو تيامن أو تياسر شيئًا يسيرًا ولم يخرج عن الجهة جاز. وأكثر الروايات عن أحمد


(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريجه.