الثالث: أنَّ الكلام إذا لم يتصوَّر معناه ولم يتدبَّره كان لفظًا بلا معنًى، وذلك تشبيهٌ له بالمهمل، وإخراجٌ له عن حقيقته، حتى يصير كجسد لا روح فيه. وأمَّا النية، فإنَّ استحضارها عند إرادة التكبير كافٍ (١).
وهذا الكلام إنما يرِد إذا كانت العبادة قولًا من الأقوال كالتكبير. فأما إذا كانت فعلًا كالوضوء والغسل، فإنَّ استدامة ذكر النية في أول جزء [ص ٢٣٠] من الفعل سهلٌ متيسِّرٌ، لأنَّ استحضار النية لا يشغل عن الفعل. وقد يقوى القلب على استحضار النية، مع استحضار معنى القول في حالة واحدة، لكن هذا يكون في قليل من الناس.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: ٥] وهذا يقتضي وجود الإخلاص حين العبادة، لأنَّ الحال في الأمر يجب أن تكون مقارنةً للفعل العامل فيها.
قلنا: أولًا: هذا في نية الاخلاص، لا في نية العمل المميِّزة له عن غيره. وهما نيتان كما تقدَّم، لأنَّ هذه حقيقة المقصود، وتلك تكملة له.
وثانيًا: أنّ النية المستصحبة حكمًا نية صحيحة، وبها يكون الإنسان مخلِصًا وناويًا، بدليل الإجماع على جواز الذهول عن ذكر النية في أثناء الصلاة.