ولأنَّ التلفظ بذلك لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه، ولا عن أحد من التابعين لهم بإحسان. ومعلوم أن ذلك لو كان مستَحبًّا لفعلوه وعلموه وأمروا به، ولو كان ذلك لنُقِل كما نُقِلَ سائرُ الأذكار. وإذا لم يكن كذلك كان من محدَثات الأمور (١).
ولأنَّ النية مشروعة في جميع الواجبات [ص ٢٣١] والمستحبات، بل يستحبُّ أن تكون جميع حركات العبد وسكناته بنيّة صالحة، فلو كان اللفظ بها مستَحبًّا لاستُحِبَّ لمن يُشيِّع جنازةً أن يقول: أتبعها إيمانًا واحتسابًا، ولمن جاهد في سبيل الله أن يقول: نويتُ بجهادي أن تكون كلمة الله هي العليا، وإذا أنفق نفقةً أن يقول: أبتغي بهذه النفقة وجهَ الله، إلى سائر الأعمال. ومعلومٌ يقينًا أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والسابقين والتابعين لم يكونوا يتكلَّمون بهذه النيَّات مع وجودها في قلوبهم.
ولأنَّ حصول النية في القلب أمر ضروري للفعل حتى لو أراد أن يفعله بلا نية لم يمكن. وإذا حضرت النية، فلو عُبِّر عنها بما يدل على خلافها لم يؤثِّر ذلك، لأنها مما يعرض للقلب، بمنزلة الفرح والحزن، والحب والبغض، والرضى والسخط، والشهوة والنفرة. ومعلوم أنَّ قصد تحقيق هذه الأشياء بالتعبير عنها قبيح.
ولأنَّ ذلك تكثيرٌ لكلامٍ لا أصل له، وفتحٌ لباب اللغو من القول، فكان حسمه أولى. والقول في الطهارة والصيام مثل هذا.