للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منزله فَلْيُحدِثْ لنفسه تفكُّرًا وأدبًا غيرَ ما كان عليه، وغيرَ ما كان فيه قبلَ ذلك، من حالات الدنيا وأشغالها. وَلْيَخرُج بسكينة ووقار، فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمر (١). وَلْيخرُج برغبة ورهبة، وبخوف ووجَل وخضوع وذُلٍّ وتواضع لله عز وجل، فإنه كلَّما تواضَع لله عز وجل وخشَع وذَّل لله عز وجل كان أزكى لصلاته، وأحرى لقبولها، وأشرفَ للعبد، وأقربَ له من الربِّ. وإذا تكبَّر قصَمه الله، وردَّ عمله، وليس يقبل [ص ٢٣٧] من المتكبِّر عملًا. جاء الحديث عن إبراهيم عليه السلام خليل الله عز وجل أنه أحيا ليلةً، فلمَّا أصبح أُعجِبَ بقيام ليلته، فقال: نعمَ الرَّبُّ رَبُّ إبراهيم، ونعم العبد إبراهيمُ! فلما كان غداؤه لم يجِد أحدًا يأكل معه. فنزل ملَكان من السماء، فأقبلا نحوه، فدعاهما إبراهيم إلى الغداء، فأجاباه.

فقال لهما: تقدَّما بنا إلى هذه الروضة، فإنَّ فيها عينًا، وفيها ماء، فنتغدَّى عندها. فتقدَّموا إلى الرَّوضة، فإذا العين قد غارت، فليس فيها ماء. فاشتدَّ ذلك على إبراهيم، واستحيا مما قال، إذ رأى غيرَ ما قال. فقالا له: يا إبراهيم ادعُ ربَّك. واسأله أن يعيد الماءَ في العين. فدعا اللهَ عز وجل، فلم ير شيئًا فاشتدَّ ذلك عليه، فقال لهما: ادعُوَا الله. فدعا أحدُهما، فرجع و [إذا] (٢) هو بالماء في العين. ثم دعا الآخر، فأقبلت العين. فأخبراه أنهما ملكان، وأنَّ إعجابه بقيام ليلةٍ رَدَّ دعاءَه عليه، ولم يُستجَب له».


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في الأصل: «فرج وهو». وفي المطبوع: «فرجع وهو». ولعل ما زدته من «الطبقات» ساقط من النص.