والنزول بها ... ولا يجمعون الصلاتين ببطن عرنة بالمسجد هناك، ولا يعجلون الوقوف الذي هو الركوب وشدُّ الأحمال، بل يخلطون موضع النزول أول النهار بموضع الصلاة والخطبة بموضع الوقوف. ويتخذون الموقف سوقًا، وإنما كانت الأسواق بين الحرم والموقف ... » (٥/ ٢٢٧، ٢٢٨).
هذه النصوص تشير إلى مشاهدات شخصية تدل أن الشيخ ألَّف الكتاب بعد رجوعه من الحج، أي بعد سنة ٦٩٢.
وأيضًا فإن أسلوبه في ذِكْر روايات الإمام وأقوال الأصحاب يوافق أسلوب ما ألَّفه في هذه المدة من كُتب قبل سنة ٧٠٠، مثل «الصارم المسلول على شاتم الرسول» و «بيان الدليل على إبطال التحليل» و «المسوَّدة» و «اقتضاء الصراط المستقيم» وغيرها.
ومما يدلُّ على أنه ألَّف هذا الكتاب في المدة المشار إليها: ترجيحه في «الفتاوى» فيما بعد غير ما قرَّره هنا، والأمثلة على ذلك عديدة منها: ترجيحه لعدم وجوب العمرة في «الفتاوى»(٢٦/ ٥ - ٧) على خلاف ما قرَّره هنا واحتج لوجوبها (٤/ ١٣ وما بعدها).
وقد يقول قائل: إن الشيخ أراد في هذا الكتاب الاحتجاج للمذهب، وخدمة فقه الحنابلة وطلاب المذهب دون ذكر الأقوال الأخرى في المسألة ولا الاحتجاج لها والترجيح، فكونه خالف في كتب أخرى ما قرّره هنا لا يدلّ على رجوعه بقدر ما يدلّ على اختلاف منهج الكتابين، والهدف من تأليفهما (١).
(١) وهذا الوجه من النظر في الكتاب يفيد في مسألة اختيارات الشيخ، وعدم عدّ ما ذكره في هذا الكتاب اختيارًا قديمًا حتى لو خالفه في كتبه الأخرى المتأخرة؛ لأنه هنا لم يكن إلا مقرّرًا وشارحًا للمذهب لا يخرج عنه.