للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتحديق نحوه، فإذا لم يروه جاز نفيُه بناء على نفي رؤيته، فإن الباحث عن الشيء الطالبَ له بحسب الوُسع والطاقة إذا لم يجده جاز أن ينفيه، وعلى هذا تُبنى عامة الأحكام الشرعية المبنية على عدم الدليل الموجِب، مثل أن يقال: لا يجب الشيء الفلاني أو لا يَحرُم؛ لأن الأصل عدم الوجوب والتحريم، ولا دليل على ثبوتهما (١).

أما إذا حال دون منظره سحابٌ أو قَتَر، فهناك لا سبيل إلى ترائيه ولا نفي طلوعه، فانقطع العلمُ بالهلال من جهة الرؤية، ولم يبق إلا العدد.

ويحتمل أن يكون طالعًا ويحتمل أن لا يكون، ومثل هذا لا يأتي الشرعُ بتحريم الاحتياط وإزالة الشكّ فيه، وهو القائل: «دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك» (٢).

بل مثل هذا في الشرع إما أن يجب الاحتياط فيه أو يستحبّ، كما سنذكره إن شاء الله، وهذا معنى قول مَن قال من الصحابة: «لأن أصوم يومًا من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان» (٣).

ولا يخالف هذا قولَ ابن مسعود: «لأنْ أفطر يومًا من رمضان ثم أقضيه أحبّ إليَّ من أن أزيد فيه ما ليس منه» (٤)؛ لأنه جعل الفطر والقضاء خيرًا من الزيادة؛ لأن الفطر والقضاء غالبًا إنما يكون مع الصحو بأن يكون بعض الناس قد رآه ولم يثبت ذلك بعد، أما مع الغيم فتتعذّر الرؤيةُ غالبًا.


(١) في المطبوع «ثبوتها» خلاف الأصلين.
(٢) تقدم تخريجه في كتاب الطهارة.
(٣) قد سبق ذلك عن معاوية وعائشة وعلي - رضي الله عنهم -.
(٤) سبق تخريجه.