للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمره بالكفّارة لأجل الجماع.

فمن قال: «إن رجلًا أفطر في رمضان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -» فقد صَدَق، وإفطاره كان بجماع، وترتيب الحكم على الوصف ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما المحدِّث يقول: إنه أفطر فأُمِر بكذا، وقد عُلِم أن الإفطار كان بالجماع، فلو صرّح المحدِّثُ بعد ذلك، وقال: إنما أمره بالكفّارة لمجرّد الإفطار، لم يجب قبول ذلك منه؛ لأنه رأيٌ واجتهاد، فكيف إذا دلّ عليه كلامُه، مع إمكان أنه لم يقصد ذلك (١)؟!

قال الدارقطني (٢): روى مالك ويحيى بن سعيد وابن جريج وسمَّى نحوَ عشرة من المحدثين: «أن رجلًا أفطر»، وخالفهم أكثرُ منهم عددًا، منهم عُبيد الله بن عمر ومَعمَر ويونس وعُقيل والأوزاعي وشُعيب بن أبي حمزة، وسمّى أكثرَ من ثلاثين من المحدّثين، كلهم رووا عن الزهري هذا الحديثَ بهذا الإسناد، وأن إفطار ذلك الرجل كان بجماع.

وأما الحديثان الآخران، فلا يجوز الاحتجاج بهما على وجه الانفراد لضعف إسنادهما.

وإذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمره بالكفّارة لمَّا أخبره أنه وقع على امرأته وأصابها، لم يجز أن تُلْحَق سائرُ المفطِّرات بالجماع؛ لأنه إجماع الصحابة.

فروى عبد الله بن أبي الهُذَيل، قال: «أُتيَ عمر بشيخ سكران في رمضان، فقال: للمِنْخَرَين! ويلك، صبيانُنا صيام وأنت مفطر؟! فجلَدَه


(١) في النسختين: «بذلك» ولعله ما أثبت.
(٢) (٣/ ٢٠٢).