للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما يصنع بالإنفحة؛ وأنَّ اللبن لم ينجس بالموت إذ لا حياة فيه، ولا بملاقاة وعائه لأن الملاقاة في الباطن لا حكم لها، إذ الحكم بالتنجيس إنما [٢٩/ب] يتسلَّط على الأجسام الظاهرة. ولذلك لم ينجس المني، والنجاسة تخرج من مخرج المني. وعلى هذه الرواية، فجلد الإنفحة نجسٌ كجلد الضرع، وإنما الكلام فيما فيهما.

والرواية الأخرى: هما نجس، وهي المنصورة (١)، لأنه (٢) مائع في وعاء نجس، فأشبه ما لو أعيد في الضرع بعد الحلب، أو حُلِب (٣) في إناء نجس. وما علَّلوا به ينتقض بالمخّ في العظم، فإنه نجس. وأما المني والنجاسة فيميز له (٤) اللبن الخارج في الحياة؛ لأنه لو نجُس ما خُلِق طاهرًا في الباطن بما يلاقيه لنجُس أبدًا، بخلاف ما بعد الموت فإنَّ (٥) خروجه نادر، كما لو خرج المني والنجاسة بعد الموت.

وما ذُكِر عن الصحابة لا يصحّ، لأنهم وإن أكلوا من جبن بلاد فارس، فلأنه كان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم، فحينئذ لا تتحقَّق نجاسة الجبن. ولهذا كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر يذكر أنَ المجوس لمَّا رأوا أنّ المسلمين لا يشترون جبنهم، وإنما يشترون جبن أهل الكتاب، عمد


(١) واختيار المصنف: طهارتهما. انظر: "مجموع الفتاوى" (٢١/ ١٠٣) و"اختيارات" ابن عبد الهادي (رقم ٢٥) و"الإنصاف" (١/ ١٧٥).
(٢) في الأصل والمطبوع: "ولأنه"، والظاهر أن الواو زائدة.
(٣) في الأصل: "حلبتِ" بكسر التاء، وهو تصحيف.
(٤) "فيميز له" كذا في الأصل، والظاهر أنه محرف. وفي المطبوع: "فميز له".
(٥) في المطبوع: "فإنه"، والمثبت من الأصل.