للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن ابن عمر أنَّ رجلًا مرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يبول، فسلَّم عليه الرجل، فردَّ عليه السلام. فلمَّا جاوزه ناداه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما حمَلَني على الرَّدِّ عليك خشيةُ أن تذهبَ فتقولَ: إنّي سلَّمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يرُدَّ عليَّ. فإذا رأيتني على هذه الحال فلا تسلِّم عليَّ، فإنك إنْ تفعَلْ لا أردَّ عليك". رواه الشافعي (١).

وهذا يدل على أنَّ الكلام هنا مكروه، وأنه يجوز لعذر.

وإذا عطَس حمِد الله بقلبه في أشهر الروايتين. والأخرى: يحمده بلسانه خُفيةً (٢)، لعموم الأمر به، ولأنه كلام لحاجة. والأول أولى، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يردَّ السلام [٣٣/ب] مع تأكُّده وتعلُّق حقِّ الإنسان به، فغيره أولى.

وحكى الإمام أحمد أنَّ ابن عباس كان يكره ذكر الله على خلائه، ويشدِّد فيه (٣)، وذكرُ الله سبحانه أعظم من غيره من الكلام، فلا يقاس به.


(١) "الأم" (٢/ ١٠٨) ــ ومن طريقه البيهقي في "معرفة السنن" (١/ ٣٢٧) ـ، وبنحوه البزار (١٢/ ٢٤٢)، وابن الجارود (٣٧).

وصححه مغلطاي في "الإعلام" (١/ ٢٤٢)، وابن حجر في "نتائج الأفكار" (١/ ٢٠٤)، وقال عبد الحق في "الأحكام الوسطى" (١/ ١٣١): "حديث مسلم أصح، ولعله كان ذلك في موطنين"، يشير إلى مخالفته لحديث ابن عمر المتقدم عند الجماعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد على الرجل حين سلَّم عليه.
انظر: "الإمام" (٢/ ٤٩٢ - ٤٩٥)، "الإعلام" (١/ ٢٤٢ - ٢٤٤).
(٢) في الأصل: "خيفة"، تحريف.
(٣) أخرج ابن أبي شيبة (١٢٢٧) عنه أنه قال: "يُكره أن يذكر الله وهو جالس على خلائه، والرجل يواقع امرأته؛ لأنه ذو الجلال يُجَلّ عن ذلك".