للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاجته، فبينما هو يتبعه قال: "ابغِني أحجارًا أستنفِض (١) بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة" فأتيتُه بأحجارٍ أحملها في طرف ثوبي حتّى وضعتُها إلى جنبه، ثم انصرفتُ حتّى إذا فرغ مشيتُ (٢). فقلت: ما بالُ العظم والروثة؟ فقال: "هما من طعام الجنِّ، وإنه أتاني وفدُ جنِّ نصِيبِين، ونِعْمَ الجنُّ، فسألوني الزاد، فدعوتُ الله لهم أن لا يمُرُّوا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعامًا" رواه البخاري (٣).

فبيَّن له - صلى الله عليه وسلم - ما هو طعام الجن، ونهانا عنه، وتبرَّأ ممن يستنجي به (٤)، فبما هو طعامنا أولى. وكذلك ما مكتوبٌ فيه اسمُ الله تعالى أو شيءٌ من الحديث والفقه، سواء كان [٤١/أ] ورقًا، أو حجرًا، أو أديمًا؛ لأن حرمته أعظم من حرمة علفِ دوابِّ الجن.

وكذلك أيضًا ما هو متصلٌ بحيوان، كيده، وذنبه، وريشه، وصوفه. وكذلك يد نفسه، سواءٌ في ذلك الحيوانُ الطاهر والنجس، الآدميُّ وغيرُه؛ ولأن الحيوان محترم فأشبهَ المطعومَ، وإذا كان قد نهى عن الاستنجاء بعلف الدوابّ، فالنهي عن الاستنجاء بها أولى.

ولا يجوز الاستنجاء بهذه الأشياء، لأن الاستنجاء رخصة، فلا يباح بمحرَّم، كالقصر في سفر المعصية. وقد روى الدارقطني (٥) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى


(١) يعني الاستنجاء بها.
(٢) زاد في المطبوع: "معه" من الصحيح.
(٣) في "الصحيح" (٣٨٦٠).
(٤) كما ورد في حديث رويفع بن ثابت عند أبي داود (٣٦) والنسائي (٥٠٦٧).
(٥) الدارقطني (١/ ٥٦)، وأخرجه الإسماعيلي في "المعجم" (٢/ ٦٦٩)، وابن عدي في "الكامل" (٤/ ٣٥٦)، من حديث أبي هريرة.
صحح إسناده الدارقطني، وحسنه ابن حجر في "الدراية" (١/ ٩٧)، وأعله ابن عدي بسلمة بن رجاء، ووقع في إسناده اختلاف ذكره الدارقطني في "العلل" (٨/ ٢٣٨).