للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن المنذر (١): أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم.

قال بعض أصحابنا: يكره الإحرام قبل الميقات، وقال أكثرهم: لا يكره، وهو المنصوص عنه، قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يحرم قبل الميقات؟ قال: قد فعل ذلك قوم، وكأنه سهَّل فيه.

وقال في رواية صالح (٢): إن قوي على ذلك أرجو أن لا يكون به بأسٌ.

وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج حجة الوداع هو وعامة المسلمين (٣)، واعتمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء هو وخلقٌ كثير من أصحابه - رضي الله عنهم -، وفي كل ذلك يحرم هو والمسلمون من الميقات، ولم يندُبْ أحدًا إلى الإحرام قبل ذلك ولا رغَّب (٤) فيه، ولا فعله أحد على عهده، فلو كان ذلك أفضل لكان أولى الخلق بالفضائل أفضل الخلائق وخير القرون، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه وكانوا به أولى، وبفضلٍ لو كان فيه أحرى، ولندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك كما ندب إلى جميع الفضائل؛ إذ هو القائل: «ما تركتُ من شيء يُقرِّبكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به، ولا من شيء يُبعدكم عن النار إلا وقد نهيتُكم عنه» (٥).


(١) في كتابه «الإجماع» (ص ٤٨). ونقله ابن قدامة في «المغني» (٥/ ٦٥).
(٢) كما في «التعليقة» (١/ ١٦١). ولم أجدها في «مسائله» المطبوعة، فهي ناقصة.
(٣) في المطبوع: «وعامة المسلمون».
(٤) ق: «رغبه».
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٥٤٧٣)، وإسحاق بن راهويه ــ كما في المطالب العالية (٩٢٧) ــ، والحاكم (٢/ ٤) من حديث عبد الله بن مسعود، ولكن طرقه لا تخلو من ضعف وانقطاع. وله شواهد يتقوّى به. انظر «السلسلة الصحيحة» (١٨٠٣، و ٢٨٦٦). ويُغني عنه ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (١٨٤٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمّته على خير ما يعلمه لهم، ويُنذرهم شرَّ ما يعلمه لهم».