للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الماء والشجر، ثم قال عمر: بإصبعه {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (١).

ولا يُعرف له مخالف في الصحابة.

وأيضًا فقوله (٢): {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} يعمُّ القاتلَ وغيرَه، بخلاف قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]، فإن المُشْهِد غير المُشْهَد؛ لأن الفاعل غير المفعول، وهنا لم يقل: حَكِّموا فيه ذوي عدل، وإنما قال: {يَحْكُمُ بِهِ}، والرجل قد يكون حاكمًا على نفسه إذا كان الحقّ لله، لأنه مؤتمن على حقوق الله، كما يُرجع إليه في تقويم قيمة المثل إذا أراد أن يخرج الطعام، وفي تقويم عروض التجارة، والدليل على ذلك ما احتج به أبو بكر من قوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥]، فأمر الله الرجل أن يقوم بالقسط ويشهد لله على نفسه.

قال القاضي وابن عقيل: وهذا إنما يكون إذا قتله خطأً أو عمدًا لمخمصة. فأما إن قتله عمدًا فلا يصح حكمه (٣)؛ لأنه فاسق، بخلاف تقويم عروض التجارة فإن صاحبها يقوّمها وإن كان فاسقًا؛ لأنه لم ينصّ على عدالته.

ووجهُ هذا أن قتل الصيد من الكبائر؛ لأن الله توعَّد عليه بقوله: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: ٩٥]، ولأن الله سمَّى محظورات الإحرام فسوقًا في قوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧]، لكن هذا


(١) رواه أيضًا ابن أبي شيبة (١٥٨٥٩) عن أبي الأحوص سلّام بن سليم به.
(٢) في المطبوع: «قوله».
(٣) «حكمه» ساقطة من المطبوع.