للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك لقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. والمحلُّ اسم للمكان وللوقت الذي يحلُّ فيه ذبحه.

ولهذا القول مأخذان ذكرهما أحمد:

أحدهما: أن المحرم بالحج لا يحلُّ إلى يوم النحر، فإذا كان قد صُدَّ عن الوقوف والطواف فهو لم يُصدَّ عن الإحرام، فيجب أن يأتي بما أمكنه، وهو بقاؤه محرمًا إلى يوم النحر فحينئذٍ يتيقَّن فوتَ الحج، فيتحلَّل بالهدي كما يتحلَّل المفوِّت المُحِلُّ (١) بعمرة، وإلى هذا أشار في رواية أبي الحارث.

الثاني: أن الهدي المَسُوق لا يجوز نحره إلا في الحرم يوم النحر، فإذا لم يمكن إيصاله إلى الحرم وجب أن يبقى إلى يوم النحر، فإنه وقت ذبحه، كدم التمتع والقران، وكذلك غير المسوق، فإن دم الإحصار يستفيد به التحلل كدم التمتع والقران، فيجب أن يؤخّر ذبحه إلى يوم النحر.

ووجه الأول (٢): أن الله قال: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وهذا مطلق، ومحلُّه هو ما يحلُّ ذبحه فيه من مكان وزمان، والشأن فيه أن هذا إن سُلِّم أن الوقت محلٌّ، فقد قيل: إن المحلّ هو المكان خاصة؛ لأن الله جعل المحلّ في الحج والعمرة، وهدي العمرة لا وقت له يختص به.

وأيضًا لو لم يجز التحلل إلى يوم النحر لكان بمنزلة من فاته الحج، والمفوِّت لا يتحلَّل إلا بالعمرة، كالمحصر بمرض. يبيِّن ذلك أنه إذا فات الحج يبقى كالمحرم بعمرة، والعمرة ليس لها وقت تفوت فيه، فينبغي أن


(١) في النسختين: «المخل» تصحيف. والمعنى: الذي فاته الحجُّ فحَلَّ بعمرة.
(٢) أي القول بأن وقت الذبح وقت الإحصار.