للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السادس والسابع والثامن.

وهذا كله تصرُّفٌ في السنة (١) المسنونة بالرأي، وليس في شيء مضى من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سنةٌ إلا اتباعُها، وقد أمر أصحابه كلهم أن يحرموا يوم التروية، وكانوا كلهم متمتعين إلا نفرًا قليلًا ساقوا الهدي، وأمر من لم يجد الهدي منهم أن يصوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعةً إذا رجع، ولم يأمره بالإحرام قبل يوم التروية، ومعلومٌ علمَ اليقين أن قومًا فيهم عشراتُ ألوفٍ (٢) في ذلك الوقت الضيق، يكون كثيرٌ منهم أو أكثرُهم غيرَ واجدِينَ للهدي، فكيف يجوز أن يقال: كان ينبغي لهؤلاء الإحرامُ يومَ السادس والخامس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالإحرام يوم الثامن؟!

وما ذكروه من الاحتراز من الخلاف فإنما يُشرَع إذا أورثَ شبهةً، فإن الاحتراز من الشبهة مشروع. فإذا وضحَ الحقُّ، وعُرِفت السنة، وكان في الاحتراز [إعراضٌ] (٣) عما أمر الله به ورسوله= فلا معنى له.

وأيضًا فإن المتمتع إذا أُمِر بتقديم الإحرام قلَّ ترفُّهه، وربما لم يُمكِنْه التمتعُ إذا قدِمَ مكة يومَ السادس أو السابع، وفي ذلك إخراجٌ للمتمتع عن وجهه.

وأيضًا فإن الإحرام إنما يُشرع عند الشروع في السفر، ولهذا لم يحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الميقات إلا عند إرادة المسير، وقد بات فيه ليلةً، والحاجُّ إنما يتوجهون يوم التروية، ففي الأمر بالإحرام قبلها أمرٌ بالإحرام وهو مقيم، أو


(١) في المطبوع: «بالسنة».
(٢) في المطبوع: «الألوف».
(٣) زيادة ليستقيم السياق.