للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإدراك ما يُبطِل العبادة، ولا يُبطِل الحجَّ إلا الوطءُ. فأما ترك واجبٍ موقَّتٍ يكون تركه فواتًا للحج فلا.

ألا ترى أنه لما أراد أن يبيِّن ما به يتمُّ الحج قال: «من شهد معنا هذه الصلاةَ، ووقف معنا حتى نَدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه» (١). فجعل الوقوف بمزدلفة بعد التعريف، به يَتمُّ الحجّ ويُقضى التَّفَث، إذ لم يبقَ بعده إلا التحلُّل برمي جمرة العقبة وما بعده، فعُلِم بهذين الحديثين أنه بالوقوف بعرفة يُدرَك الحج ويُؤمَن فواتُه، فلو كان بعده ركن موقَّتٌ لم يُدرَك ولم يُؤمَن الفوات، وبالوقوف [ق ٣٦٩] بمزدلفة يتمُّ الحج ويُقضى التَّفَث.

وأيضًا ما احتج به أحمد من إجماع الناس حيث قال: «ليس أمرُه عندي كعرفة، ولا أرى الناس جعلوها كذلك»، فذكر أنه لم ير أحدًا من الناس سوَّى بينهما، مع معرفته لمذاهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الفتوى.

وعن ابن عمر قال: من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج، وإن لم يُدرك الموقفَ بجَمْعٍ (٢).

وعن ابن عباس قال: الحج عرفات، والعمرة لا يجاوز بها البيت، ومن لم يحلَّ عند البيت فلا عمرة له (٣).


(١) سبق تخريجه.
(٢) عزاه المحب الطبري في «القِرى» (ص ٣٩٠) إلى سعيد بن منصور. وأخرجه مالك (١/ ٣٩٠) والشافعي في «الأم» (٣/ ٤١٦) وغيرهما دون قوله: «وإن لم يُدرك الموقف بجمع». وأخرجه بهذه الزيادة ابن أبي شيبة في «المصنف» (١٣٨٥٥ - ١٣٨٥٧) عن سالم بن عبد الله بن عمر مقطوعًا من قوله.
(٣) عزاه في «القِرى» (ص ٣٩١) إلى سعيد بن منصور. وأخرجه مسدّد ــ كما في «المطالب العالية» (١٢٣٢) ــ وابن أبي حاتم في «التفسير» (١/ ٣٣٤) بلفظ: «الحج عرفة، والعمرة الطواف» وإسناده صحيح.