للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتخفيفًا، بخلاف عرفات فإن الوقوف بها ليس بطويل.

ولأن الوقوف بالمزدلفة ليس بمحدود المبتدأ، فإن الناس يجيئون إليها على قدر سَيْرهم، فجاز أن لا يكون محدود المنتهى، فيخرجون منها كذلك، بخلاف عرفات، فإنما (١) يدخلونها وقتَ الزوال، ويخرجون منها بعد الغروب. وهذا لأنه لما لم (٢) يتقيَّدوا بالإمام في مبتدأ الوقوف بمزدلفة، لم يتقيَّدوا به في منتهاه، وعرفة بخلاف ذلك.

وأيضًا فإن عرفات كان المشركون يتعجَّلُون منها، فسُنَّ لنا مخالفتُهم بإيجاب التأخير إلى غروب الشمس، وكانوا يتأخّرون بالمزدلفة إلى طلوع الشمس، فسُنَّ لنا التعجيلُ منها قبل ذلك مخالفةً لهم، فجاز أن يُوسَّع وقتُ التعجيل وأن يُفِيض قبل الإمام، لأن ذلك أبعدُ عن التشبُّه بهدْيِ المشركين. وهذا معنى قول أحمد: «سنة عرفة غير سنة المزدلفة».

وقد أجاب أحمد عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى معنا هذه الصلاةَ، ووقف معنا حتى تطلعَ الشمسُ، فقد تمَّ حجُّه، وقضى تَفَثَه» بأن منطوق الحديث لا إشكالَ فيه. وأما مفهومه فليس على عمومه، إذ لا يجوز أن يكون معناه: من لم يُصلِّ معنا ويقف إلى طلوع الشمس لم يتمَّ حجُّه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدَّم الضَّعفةَ، ولم يصلُّوا معه ولم يقفوا. وعمر - رضي الله عنه - انتظر الأعرابي بين ظهرانَي المسلمين، حتى جاء ولم يصلِّ، والناس يرون ذلك، ولم ينكر أحد عليه فوتَ الصلاة.


(١) «فإنما» ساقطة من المطبوع.
(٢) «لم» ليست في س.