يجب أن يكون طوافًا واحدًا؛ لأن أركان الحج لا يجوز أن تتكرَّر من جنس واحدٍ، كما لا يتكرر وجوبه بالشرع.
ولأن الركن يجوز أن يكون مقصودًا بإحرام، فإنه إذا وقفَ بعرفة ثم مات فُعِلَ عنه سائرُ الحج، وتمَّ حجُّه، وإذا خرج من مكة قبل طواف الزيارة رجع إليها محرمًا للطواف فقط. والسعي لا يُقصَد بإحرام، فهو كالوقوف بمزدلفة ورمي الجمار.
ولأن نسبة الطواف بهما إلى الطواف بالبيت كنسبة الوقوف بمزدلفة إلى وقوف عرفة، لأنه وقوفٌ بعد وقوف، وطوافٌ بعد طواف، ولأن الثاني لا يصحُّ إلا تبعًا للأول؛ فإنه لا يجوز الطواف بهما إلا بعد الطواف بالبيت، ولا يصحُّ الوقوف بمزدلفة إلا إذا أفاض من عرفات.
وقد دلَّ على ذلك قوله:{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وقوله:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآية، فإذا كان الوقوف المشروع بعد عرفة ليس بركن، فالطواف المشروع بعد طواف البيت أولى أن لا يكون ركنًا؛ لأن الأمر بذاك في القرآن أظهر. وذلك لأن ما لا يُفعل إلا تبعًا لغيره يكون ناقصًا عن درجة ذلك المتبوع، والناقص عن الركن هو الواجب؛ ولهذا كل ما يُفعَل بعد الوقوف بعرفة تبعًا له فهو واجب.
وطَرْدُ ذلك أركانُ الصلاة، فإنّ بعضها يجوز أن ينفرد عن بعض؛ فإن القيام يُشرَع وحدَه في صلاة الجنازة، والركوع ابتداءً في صلاة المسبوق، والسجود عند التلاوة والسهو، ولو عجز عن بعض أركان الصلاة أتى بما بعده، فعُلِم أنه ليس بعضها تبعًا لبعض، وهنا إذا فاته الوقوف بعرفة لم يجُزْ فعلُ ما بعده.